في الليل يتجمد الوقت

إلى/حبيبتي التي تتجرع مرارة الفقد بصمتٍ

بين جدرانِ وطنٍ تستعدي الحب والحياة!

في الليل يتجمّد الوقت ، يزحف السواد فوق جسد الحياة ، الحياة التي لا تشبه الحياة .

في الليل تشدّني الضحكات الهامسة التي سرعان ما تتبدد في حنجرةِ الصمت ، فتتلاشى وتنتهي .

حين يهبط الليل كأفعى في دغل إستوائي ، أكون مسكوناً بالرغبة المجنونة ، مسكوناً بكِ!

أحنُّ إليكِ ، إلى أمرأة ، كانت ذات يوم تعرف كيف تروّض صهيل الرغبة داخلي ، تعرف كيف تجتث جرثومة البؤس فيّ ، تعرف كيف تبكيني وتضحكني في آن .

آه كمْ أتوق إلى ممارسة الحبّ معكِ ، أن أقبّل شفاهكِ ، أن نحتضن بعضنا ، وننام بين جدران الليل!

أن أتوسّد نهدكِ الأيسر ، وألاطفكِ بلطيفِ همسٍ ، أتحسس جسدكِ بأصابع رعشى ، في وقتٍ يجلد المطر جسد الليل الغارق في العتمةِ والسكون المريب!

حيث تتسلل نسمة هواء بارد عبر زجاج النوافذ المطليّة بزخاتِ المطر الرمادي .

ما أجمل أن ننام عاريين من كل شيء ، من الملابس الثقيلة ، من وطأة القيم ، وضجيج المارة!

ها أنذا أكتب إليكِ أميرتي في خضم الوحدة التي تنهش روحي وتفتت قلبي وتحرق جسدي ..

أكتب إليكِ تحت وطأة ليلة مطيرة ، ليلة متشحة بالحزان والسواد المُرعب .

ما عساني أقول ؟ ما عساني أفعل تحت ثقل الحزن والحنين الجارف ، الحنين المنبعث من عمقِ أعماق الذاكرة ، الذاكرة المشحونة بجميلِ اللحظات!

” تأجيل السعادة هو فعل ضد السعادة ذاتها “

أَوَ تذكرين يا حلوتي كم مِن فرص السعادة التي أضعناها بسبب حماقة غير مبررة!

ماذا لو أستثمرنا كل الفرص المتاحة وأحلناها إلى سلل سعادة جذلى ؟ إلى ضحكات هامسة ، إلى شهقات ناضجة تضمد جراح الليل ، إلى أحضان وقُبل ترتق ثقوب الروح الطافق في التمدد .

أنني أتذكّر الأن ، حبيبتي ، البدايات الصعبة لوجودنا ، بداية الإرتباط المقدس مِن أجل سعادة محمّلة بالخطيئة ، سعادة موشومة بالعربدة والإنحطاط المريع في منطوق القيم المعجونة بالخراب الإلهي!

آه ! كم تعانيتُ في سبيل أن أنزع عنكِ قناع المجتمع ، قناع القيم وبهارج الأخلاق المتعارف عليها من قبل القطيع وهراء الدين الرجيم .

ليس من السهل أن تحب أمرأة بذاكرة مستلفة ، أمرأة بذاكرة مغتربة عنها ، لا تمت إليها بصلة قط .

أمرأة تنظر إلى كل شيء من منظار الآخرين وليس من منظارها هي ، ليس من صميم ذاتها المستقلة .

أمرأة بتفكيرٍ ملتوٍ ، تنظر إلى الحياة بزاوية متعرجة ، تنظر إلى كل شيء بصورة مقلوبة .

التعاطي مع القيم الموروثة أمرٌ في غاية الصعوبة …

نظن في كثير أحيان ، أن تلك القيم هي قيمنا ، أو بالأحرى ، قيم من صميم صنيعنا ، ولكن في حقيقة الأمر ، ليس كذلك البتة .

نحن ندافع ، لا بل نسجن أنفسنا بين جدران قيم لا تمت إلينا بصلة قط ، ندافع عن قيم في الحقيقة هي ضدنا بكل أسف .

” كل شيء لا يتمحور حول سعادة الإنسان لا يعوّل عليه “

هذه البديهة قد توصّلتُ إليها باكراً ، مما مكنني من معرفة الإنسان والحياة بصورة أكثر عُرياً .

لكن ، والحق يقال : للحقيقة العارية ثمنها أيضاً ، لأنها مغتربة ، أو هي تظل في حالة إغتراب دائم عن القطيع!

في المجتمعات التي بلا ذاكرة ، أو فلنقل المجتمعات التي تعيش بذاكرة مستلفة ، بذاكرة ليست لها ، هي دائماً ما تكون على التضاد مع السعادة .

إذ فكرة السعادة دائماً ما تكون مع العُري التام ، مع التصالح مع الذات المحض حدّ التقمّص .

لستِ تدرِ كم من المقت الذي شعرتُ به ، كم من الإزدراء والإشمئزاز والتحقير نحو قيم تستعدي الحياة ، تحارب كل ما هو جميل في النفس البشري ، تحيل الكون إلى حفل بكاء ضاج ، إلى مأتم حزين!

آه ! اللعنة ! حين أحس بحاجتي إليكِ في ظلمة السكون المُوحش تحت غطاء حرير ناعم ، ولكنّي لا أجد إلى ذلك سبيلاً ، كم أشعر بتفاهة الإنسان ، بعهر القيم ، وإعتباطية الحياة!

ماذا يضير سدنة القيم والأخلاق في أن يتشارك عاشقان القُبل والعناق في زحمةِ الليل أو في وضحِ النهار ، بين جدران غرفة بسريرٍ واحدٍ ؟

لا أحد سيصاب بجلطة أو سكة قلبية ، حين يحتضن أحد العشاق جسد عشيقته ، حين يمطرها بالقُبل واللمسات الراعشة ، حين تصرخ وهي تغرز أصابعها في جسده حتى تدميه!

الحياة ستصير أفضل بالحب وحده ، بالسعادة وحدها .

نحن نعرف كيف نقتل الحب ، كيف نجتث بذرة السعادة ، أفضل من العيش ذاته .

فتوهُّم حياة أخرى ، هو توهُّم ضد السعادة

بل هو مصدر تعاستنا الأكيدة ، وبؤسنا الرجيم!

أعذرني حبيبتي ، لأنني طفقتُ أسرد في هراءٍ لعينٍ لا طائل منه ، ولكن ما عساني أفعل ، طالما أجدني غائص في وحلِ القيم اللزجة وشرانق الأخلاق!

صِدقاً ، سأكون أتعس إنسان في هذا الوجود ، لا لشيء سوى لأنني وُجدتُ في عالمٍ أشبه بكتابٍ مؤسطر لا يأتيه الباطل من بين يديه رغم الباطل الذي يحتويه!

آه! تعلمين ؛ كم أشتهيكِ الأن ، كم أشتهي جسدكِ تحت نثيث ضوء باهت ينسال من فانوسٍ يحتل زاوية الغرفة التي لا تسع غير سرير وأريكة وطاولة مخصصة للكتب وعطور الند ومنفضة سجائر .

أرمقكِ بعينٍ نصف مفتوحة ، وأنتِ تختالين على بساطِ الغرفة جيئةً وذهابا ، فتشتعل الرغبة داخلي ، تنغرز مخالب الشهوة في روحي ويحترق جسدي .

أحنُّ إليكِ ، إلى أمرأة ، في تكوّرِ ردفها تمتحن حكمة الله ، فيقع في براثن الخطيئة الدافئة ، في إستدارةِ نهدها تجعل مِن صعلوكٍ لعينٍ يعرف خطى الله ، بعد أن كان يبحر في محيط التيه بلا وجهة محددة!

الأن تتناهى إلى روحي اللهاث التي تتسلل عبر ستائر الغرف المستدلة في إنتصاف الليل .

الشهقات المسعورة التي تتقطر ، العرق الذي ينز من الأجساد الرهقى الملسوعة بالرغبة المجنونة .

أووووه ، أظنني بدأتُ أهذي! …

لستُ أدري ما أقول ، تحت وطأة المنفى وثمالة الوحدة وأشواك الحنين المغروزة فيّ .

إذ نحن منبتون في المنافي ، لا أصل لنا ، لا تربة تصلح لجذورنا المنبتة من تربتنا العقيمة القاحلة .

ها هي ذي الحياة تصفعنا مرة أخرى ، توصد أبوابها عنّا

وهي ذي المنافي تتنكّر لنا كما الأوطان ، تعبث بأقدارنا!

في المنفى الحياة جيفة لا تطاق ، عفونتها تصدع رؤوسنا ، تشلّ قِوانا ، تثبط عزيمتنا ، فننهار دفعةً واحدة ، نتلاشى في فراغٍ أسودٍ مهول لا نهاية له .

ولكن والحق يقال ، إذ لا فرق ، في هذا الجحيم الشرقو/أوسطي بين الوطن والمنفى ، فالإغتراب هو السمة المشتركة بينهما رغم تباين الجغرافيا ..

أن تغترب في وطنكَ أو تتغرّب في المنفى ، سيان!

أمرٌ آخر ، حلوتي ، فكرة جهنمية بدأت تتملّك تفكيري ليل نهار ، هي أن لا دولة ستتحقق ، لا الأن ، لا في القريب ، ولا البعيد الذي لا يُرى ، طالما أننا لم نفك إرتباطنا الشاذ مع المومس السماوي!

كلام فيه الكثير من القسوة والشطط والغلو ، أليس كذلك ، ههههههه . أُدرك ذلك ، لكنه الحقيقة!!

عيبنا ، أننا لا نجيد ثقافة القطيعة مع الأشياء ، لا نعرف التجاوز ، لا نجيد الحركة البتة ، فنظل قابعين في ذات النقطة ، محنطين في ذات اللحظة أبد الدهر!!

أظن بأنه ليس هناك ما يُقال ، أو ربما لأنني لا أُريد إفساد هذه الرسالة ، بهراء السياسة وعهر القيم .

لا أريد أن تتحوّل هذه الرسالة إلى بيان سياسي بليد أو إلى تنظير إجتماعي بالغ التطرف .

لذا دعكِ عن كل ذلك …

لستُ من جوقةِ الذين يؤمنون بعدالة الحب أو الثقة فيه ، بقدر ما أنني أؤمن بعدالة الظروف حبيبتي!

على كل ، لكِ قُبلاتي وأحضاني وكل الحب أيتها الشقية ..

إلى أن نطوي جسد الجغرافيا ونتلقي!