رؤيا

رأيتُهُ..

كانتْ أصابعُ الضوءِ

تدقُّ بابَ الأرضِ

تعطي الوردَ لونَهُ

والصُّبحَ لونَهُ

وتغسلُ الحقولَ

والجبالَ

منْ بقايا اللَّيلِ والكآبةِ.

انتظرتُهُ..

ناديتُهُ:

يا مانحَ الضِّياءَ للمراعي

والنهرَ للسَّواقي،

يا حاضراً في الظِّلِّ

والأمواجِ

والفصولْ..

أوجعَني العشقُ

وأضنى قلبيَ المرقَّعَ الرَّحيلْ.

يا سيّدي

ما كنتُ قبلَ أنْ تراكَ روحي

تجتليكَ في دمي

وفي براءةِ الأشياءِ

في نوافذِ العشبِ

وعبرَ لوحةِ الأصيلْ..

ما كنتُ أدري مَنْ أنا

ما الغيمُ، ما الصَّحْوُ،

وما النَّدى

ما كنتُ أدري عمريَ الجميلْ.

* * *

يا زمناً للموتِ

ها أنا منطرحٌ فوقَ حجارةِ الأرضِ

وتحتَ سقفِ حُلْمِيَ الطويلْ،

أهزُّ صخرةَ انتظاريَ المريرِ،

لو أسطيعُ أنْ أزحزِحَ الأيّامَ عنْ روحي

وأربحَ الفَكاكَ منْ إسارِها

أخلعَ ثوبَ العمرِ،

أستريحَ منْ فراغِ الوقتِ

منْ عُكّازِ عمريَ الثقيلْ.

حرفٌ أنا

كَشِبْهِ جملةٍ هبطتَ بي

أسكنتَني مدائنَ الأوراقِ منفى الحزنِ

حيثُ لا مَرْقَى

ولا سبيلْ.

وفجأةً

رأتْكَ روحي لم يكنْ حُلْماً

ولا وهماً..

رأتْكَ بعدَ أنْ صارَ لها الحزنُ رفيقاً

والنَّوى دليلْ.

* * *

كم ليلةٍ وقفتُ خارجَ الموتِ

وقد غادرَني الضوءُ

وخيَّمَتْ عناكبُ الضَّجَرْ،

كانَ الضَّبابُ يمتطي الأرضَ

وكانَ الحقدُ طائراً ينوحُ

فوقَ غصنِ القلبِ كالحَجَرْ.

واللَّيلُ لا يمشي

عقاربُ الأيّامِ لا تمشي

ولا تأتي إلى موعدِها مواسمُ الغناءِ

والمطرْ.

هاويةٌ مريرةٌ

يشتبكُ السؤالُ فيها والجوابُ

الوهمُ والأحـلامُ

والوقـوفُ والسَّفَرْ

وفجأةً توهَّجَ الطريقُ،

ناداني اقتربتُ،

كانَ الناسُ روحاً واحداً

والأرضُ مَنْزلاً يسكنُهُ الحبُّ

ولا يضيقُ في رحابِهِ البشرْ.