الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن الشيخ الإمام حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر ولد في الدرعية عاصمة الحكم السعودي ومركز الحركة العلمية في ذلك الحين وذلك سنة (1203هـ/1788م) ونشأ في وسط العلماء العاملين الذين كانت تزخر بهم الدرعية ونجد في ذلك الزمن فكان من شيوخه والده الشيخ حمد بن ناصر بن معمر والشيخ الإمام عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب والشيخ العلامة المؤرخ أبو بكر حسين بن غنام والشيخ أحمد بن حسن بن رشيد بن عفالق الحنبلي نزيل الدرعية وغيرهم من العلماء فمهر في جميع العلوم والفنون فصار عالما محققا وفقيها متبحرا له اليد الطولي والباع الواسع في التصنيف والتأليف ونشر العلم وتخريج الكثير من الطلاب والرد على المعارضين وله عدة مصنفات وفتاوى ورسائل وأشعار ومن أشهر مصنفاته وأجلها الكتاب المسمى منحة (١) القريب العجيب في الرد على عباد الصليب ومن مصنفاته أيضا اختصار نظم ابن عبد القوي لمقنع ومنتقى عقد الفرائد وكنز الفوائد يوجد مخطوطة منه بالمكتبة السعودية بالرياض أخذ عنه العلم وانتفع به كثير من العلماء لم يسعدني الحظ بالوقوف على أسمائهم وفي زمنه جرى على الديار النجدية والدولة السعودية ما جرى من التقتيل والتخريب فدمرت الدرعية عاصمة الملك آل سعود في ذلك الحين وتشتت علماؤها وقادة الدعوة الإسلامية الذين كانوا بها أخرجهم إبراهيم (٢) بن محمد علي باشا من أوطانهم ونفاهم إلي مصر وفر المترجم له الشيخ عبد العزيز بن معمر من الدرعية إلي البحرين وكان لا يزال شابا في العقد الثالث من عمره فأقام بها ولم تنقطع صلته بآل الشيخ الذين نقلوا إلي مصر فكان يكاتب الشيخ عبد الرحمن بن حسن بأشعار يتوجع فيها على ما حل بنجد من الدمار والخراب وكانت الدولة الإفرنجية قد مدت إصبعها في بلاد العرب وفكرت في أن تبسط نفوذها على هاتيك الربوع ومنها بلاد البحرين فإنها كانت مثار خلاف بني الإنكليز والفرنسيين والدولة العثمانية وأرسلت كل واحدة من هذه الدول مندوبا من قبلها فكان مندوب الإنكليز رجلا قسيسا اختارته إنكلترا ليكون أبلغ إلي مقصودها بدهائه وعظيم مكره وليعمل على التبشير وبث الدعاية المسيحية فينشر في تلك البلاد الشبهات والشكوك النصرانية ليفتن الناس عن دينهم إن استطاع وتلك سياسة أوروبا في كل الشرق الإسلامي أعظم ما تهتم له تشكيك الناس في دينهم مصداقا لقوله تعالي: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لو يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}. فحمل ذلك القسيس الإنكليزي كتابا أورد فيه شبهات نصرانية يزعم فيها تصحيح الملة المسيحية ودفعه إلي أمير البحرين وشيخها عبد الله بن خليفة وقد شحن القسيس كتابه بشكوك وشبهات كثيرة لظنه أنها ستروج على أهل تلك الديار. وطلب القسيس من الشيخ عبد الله (٣) بن خليفة أن يعرضه على علماء البحرين ليردوا على ما فيه أو يقروا بعجزهم وانقطاع حجتهم فعمد الشيخ ابن خليفة إلي من كان عنده من علماء البحرين وطلب منهم الرد عليه فلما قرأوه وجدوا أنفسهم عاجزين عن الرد عليه فاعتذروا وقالوا: لا نستطيع الرد على ما فيه من الشبه ثم أرسله إلي علماء الأحساء فقالوا مثل ما قال علماء البحرين من إظهار العجز وعدم القدرة على الرد عليه وقال بعضهم: ليس هذا النصراني كفوا أن يجاب فحزن لذلك الشيخ ابن خليفة أشد الحزن واغتم به أشد الاغتمام فلما رأي من حوله من جلسائه وخواصه ما هو فيه من الهم والحزن لعجز علماء البحرين و الأحساء عن دفع شبه ذلك القسيس قال له أحدهم: إنه قد نزل بالبحرين شاب من طلبة العلم النجديين فأرى أن تعرضه عليه لعل الله أن يزيح به عنا هذه الغمة. . فأعطاه لكتاب وأوصله إلي الشيخ عبد العزيز وقص عليه الأمر والقصة من أولها إلي آخرها فتناوله الشيخ وأمعن النظر فيه وقال: تأخذون مني دحض هذه الشبه بعد شهر - إن شاء الله تعالي- فلبث شهرا وأتم الرد وبعث به إلي الأمير وفرح به أشد الفرح ودعي القسيس الإنكليزي وأعطاه الرد فلما طالعه عجب له واندهش جدا لما كان يظنه من عجز علماء البحرين وقال: الرد لا يكون من هنا وإنما يكون من البحر النجد فقال له الأمير: نعم هو أحد طلبة العلم النجديين. وللشيخ عبد العزيز المترجم له أشعار رائعة لاسيما رثاء الدرعية حين حل بها ما حل من الخراب والتدمير على يد إبراهيم بن محمد علي باشا ومنها القصيدة المعروفة عند علماء الدرعية بالطنانة أوردها الشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر في تاريخه ونحن نوردها في هذا الموضع من ترجمته - رحمه الله - وهي هذه المقتطفات الآتية فأصبحت الأموال فيهم نهائبا … أصبحت الأيتام غرثي وجوعا وفر من الأوطان من كان فاطنا … وفرق إلف كان مجتمعا معا توفي المترجم الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ حمد بن معمر ببلدة البحرين سنة (1244هـ/1828م)وقد رثاه الشيخ أحمد بن علي بن مشرف بقصيدة تبلغ أبياتها ستة وعشرين بيتا مطلعها: أشمس الهدى غابت أم البدر آفل … أم النجم أمسى لونه وهو حائل
السابق
التالي