لفقدان عبد الواحد الدمع قد جرى

لفُقْدانِ عبد الواحد الدَّمع قد جرى

وأَجرى نجيعاً لمدامع أحمرا

تذكَّرته من بعد حول فأَذْرَفَتْ

عليه جفوني حسرةً وتذكّرا

فكفكفْتُ من عيني بوادر عبرة

وما خِلْتُها لولاه أنْ تتحدَّرا

أَقامَ عليَّ العيدُ في النَّحر مأتماً

وأَظهرَ ما قد كانَ في القلبِ مضمرا

لئنْ غيَّبوهُ في التُّراب وأَظلَمَتْ

معالم كانت تفضح الصبح مسفرا

فما أَغمدوا في الترب إلاَّ مهنَّداً

ولا حملوا في النَّعش إلاَّ غضنفرا

أُصِبنا وأيم الله كلّ مصيبة

بأَروع أبكى الأَجنبين ولا مِرا

فيا لك من رزءٍ أصاب وحادث

ألمَّ وخطب في الجلاميد أثَّرا

تفقَّدْتُ منه وابل القطر ممطراً

وفارقتُ منه طلعة البدر نيّرا

وما كانَ أبهى منه في النَّاس منظراً

ولا كانَ أزكى منه في النَّاس مخبرا

أفي كلّ يومٍ للمنايا رزيَّةٌ

تكاد لها الأَكبادُ أن تتفطَّرا

تهيِّجُ أحزاناً وتبعثُ زفرةً

وتُرسلُ في فقد الأَحبَّة منذرا

تكدّر أخوان الصَّفا في انبعاثها

وأيّ صفاءٍ لامرئٍ ما تكدَّرا

أجلُّ مصاب الدَّهر فَقْدُكَ ماجداً

ودفْنُكَ أجداث الأَكارم في الثَّرى

وقولكَ مات الأَكرمون فلم نَجِدْ

زعيماً إذا ما أورد الأَمر أصدرا

وما حيلة الإِنسان فيما ينوبه

إذا كانَ أمر الله فيه مقدَّرا

وهبكَ اتَّقيتَ الرِّزءَ حيث أريته

فكيف بمن يأتيك من حيث لا ترى

ونحنُ مع المقدور نجري إلى مدًى

وليس لنا في الأَمر أن نتخيَّرا

إذا لم تُمَتَّع بالبقاء حياتنا

فلا خيرَ في هذي الحياة الَّتي نرى

على ذاهبٍ منَّا يرغم أُنوفِنا

نُعالِجُ حُزْناً أو نموت فنُعذرا

وما أنا بالناسي صنائعه الَّتي

تذكّرنيه كلّ آنٍ تذكّرا

فأُثني عليه الخير حيًّا وميّتاً

وأشكره ما دمتُ حيًّا مذكرا

وإنِّي متى ضَوَّعْتُ طيب ثنائه

فتَقْتُ به مِسكاً وأَشممْتُ عنبرا

تبارك من أنشاكَ يا ابن مبارك

جميلاً من المعروف لن يتنكَّرا

وما زلت حتَّى اختاركَ الله طاهراً

فكُنتَ ماء المُزن عذباً مطهَّرا

إلى رحمة الرَّحمن والفوز بالرّضا

سبَقت وما أسبقت فينا التَّصبّرا

وما كانَ بالصَّبرِ الجميل تمسُّكي

ألا إنَّ ذاك الصَّبر منفصم العُرى

كفى المرء في الأَيَّام موعظةً بها

وتبصرة فيها لمن قد تبصَّرا

ولا بدَّ أنْ تلقى المنون نفوسَنا

ولو أنَّنا عشْنا زماناً وأَعصرا

وإنَّ اللَّيالي لم تزلْ بمرورها

تسلُّ علينا بالأهلَّة خنجرا

أتُطْمِعُنا آمالُنا ببقائنا

بكلّ حديثٍ ما هنالك مفترى

وإنَّ المنايا لا أبا لك لم تَدَعْ

من النَّاس سرباً ما أُريع وأذعرا

أغارت على الأَقيال من آل حميرٍ

وجاءتْ على كسرى الملوك وقيصرا

فما منعت عنها حصون منيعة

ولا كشفتْ من فادح الخطب ما عرا

لئنْ غابَ عن أبصارنا بوفاتِه

فما زالَ في الأَفكار منَّا مفوَّرا

فقدناك فقدان الزُّلال على الظّما

فلا منهل إلاَّ ومورده جرى

ألا في سبيل الله ما كنت صانعاً

من البرّ والمعروف في سائر الورى

وكنتَ لوجه الله تشبعُ جائعاً

وتُطعم مسكيناً وتكسو لمن عرى

وإنِّي لأستسقي لك الله وابلاً

متى استمطر الصَّادي عزاليه أمطرا

يصوب على قبر يضمّك لَحْدُهُ

ويَسْطَعُ مسكاً من أريجك أذفرا

سقاك الحيا المنهلُّ كلّ عشيَّةٍ

وروَّاك من قطر الغمام مبكرا

فقد كنتَ للظمآن أعذبَ منهلٍ

وقد كنتَ غيثاً بالمكارم ممطرا

وقد كانَ فيك الشّعر ينفُقُ سوقه

لديك ويبتاع الثناء ويشترا

وقد ساءني أن أصبح الفضل كاسداً

وأصبح مغنى الجود بعدك مقفرا

وقد خمدتْ نار القِرى دون طارق

فلا جود للجدوى ولا نار للقرى

وغُدر ساري الحمد في كلِّ مهمهٍ

من الأرض مصروف العنان عن السّرى

فلا أُخْصِبَتْ أرض الخصيب ولا زهى

بها الرّبع مأنوساً ولا الرَّوض مزهرا

لقد كانَ صُبحي من جبينك واضحاً

وقد كانَ ليلي من محيَّاك مقمرا

فيا ليتَ شعري والحوادث جمَّةٌ

ويا ليتني أدري ومن ذا الَّذي درى

محاسن ذاك العصر كيف تبَدَّلتْ

ورونق ذاك الحُسن كيفَ تغيَّرا

وكانتْ لك الأَيدي طوالاً إلى العُلى

تناول مجداً في المعالي ومفخرا

فكم راغب فيها وكم طامع بها

أمدَّ لها الباعَ الطويلَ فقصَّرا

ومن مكرمات تملكُ الحرَّ رقَّةً

تطوّق من أيديك يداً ومنحرا

ومن حسنات تخلق الدهر جدَّةً

كتبتُ بها في جبهته المجد أسطرا

وكم مُعسرٍ بدَّلت بالعُسْر يُسْرَه

وما زلت للفعل الجميل ميسّرا

ولو كانت الأَنصار تُنجي من الرَّدى

نصرناكَ إذ وافاك نصراً مؤزّرا

فكم مقلةٍ أذْرَتْ عليك دموعها

ومُهجة صادٍ أوشكَتْ أن تسعّرا

وكم كبدٍ حرَّى يحرّقها الأَسى

تكادُ على ذكراك أنْ تتَفَطَّرا

وليلة تُذكيني بذكرك زفرةً

حرامٌ على عيني بها سنة الكرى

عليك سلام الله ما حجَّ محرمٌ

وهلَّلَ في تلك البقاع وكبَّرا