هاج القرام وهيجا بلبالي

هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي

بَرْقٌ يمانيٌّ وريحُ شمال

وترنم الورقاء في أفنانها

ما زاد هذا الصب غير خبال

وأُشيمُ من برقِ الغُوَير لوامعاً

فإخاله تبسام ذات الخال

زعم المفنِّد أنْ سلوت غرامها

زوراً وما خطر السلوّ ببالي

ما بال أحداق المها من يعرب

فتكت بغير صوارم ونصال

يرمين في المهج الهوى فتظنها

ترمي القلوب بنافذات نبال

هيف من الغيد الحسان سوانح

من كل داء يا أميم عضال

لله ما فعل الغرام بأهله

والحب في أهليه ذو أفعال

ولقد أقول لأبلج لا أهتدي

إلاَّ بصبح جبينه لضلال

أبلى هواك حشاشتي وأذابها

لولاك ما أصبحت بالي البال

بالله يا مؤذي الفؤاد بلومه

جَدّ الغرام فلا تمل لجدالي

حمّلتني ما لا أُطيق وإنَّما

حُمّلتُ أثقالاً على أثقالي

كيف احتيالك في سلوّ متيّم

أعْيَتْ عليه حيلة المحتال

إنّي أحِنُّ إلى مراشف ألعسٍ

تغني مذاقتها عن الجريال

ويشوقني زمن غصبت سروره

رغماً على الأنكاد والأنكال

أيام نتّخذ المَسرَّة مغنماً

فنبيت نرفل في برود وصال

ومليكة الأفراح تبرز بيننا

قد كُلِّلَت تيجانها بلال

يسعى بها أحوى أغنُّ مهفهفٌ

فترى الغزالة في يمين غزال

ويحضّنا داعي السرور على طلاً

زفت على الندمان بالأرطال

ألهو فيطرب مسمعي من غادة

نغم الحليّ ورنة الخلخال

وألذّ ما يلقى الخليع سويعة

خفيت عن الرقباء والعذال

أيامها مرّت ولا ندري بها

فكأنها مرّت مرور خيال

أين الأحبّة بعد أسنمة اللّوى

قد حال من بعد الأحبّة حالي

سارتْ ظُعونهم وما أدَّت لنا

حقًّا على الأَزماع والترحال

أَقمار أَفلاك الجمال تغيَّبت

بعد الطلوع على حدوج جمال

وما كنت أدري لا دريت بأنَّه

هول الوداع نهاية الأَهوال

وجهلت يا لمياء قتل ذوي الهوى

حتَّى بليت بحبِّكِ القتَّال

سكان وجرة والعذيب وبارق

تحريمكم للوصل غير حلال

أنتم أسرتم قلب كلّ متيّم

بلحاظ أحوى مائل لملال

أو يطلقون من الأسار عصابة

غلّتهم الأَشواق في أَغلال

ما جرّدت فينا صوارمها النوى

إلاَّ لقطع حبالهم وحبالي

أسفي على عمرٍ تقضَّى شطره

في خيبة المسعى إلى الآمال

وبنات أفكار لنا عربيَّة

رخصت لدى الأَعاجم وهي غوالي

يا هذه أينَ الذين عهدتهم

آساد معترك وغيث نوال

عجباً لمثلي أنْ يقيم بمواطنٍ

متشابهِ الأَشراف بالأَنذال

تقذى نواظره بأوجه معشر

لا يعثرون بصالح الأَعمال

وَلِعَت بهم أيامهم من دوننا

ما أولعَ الأيامَ بالجهَّال

لولا خبال الدهر ما نال الفنى

في الناس ذو بَلَهٍ به وخبال

هم كالبحور الزاخرات وإنَّني

لم أنتفع من وردهم ببلال

ذهب الملوك الباذلات أكفّهم

بذل الغمام بعارض هطال

حتَّى عفت أطلال كلّ فضيلة

فليبك من يبكي على الأَطلال

وأرى النقيصة شأن كلّ مبجلٍ

فكمال فضل المرء غير كمال

وكأنَّما الأيام آلت حلفة

أن لا أرى في الدهر غير نكال

وأنا الَّذي حَلَّيْتُ أجياد العُلى

بعقود ألفاظي ودُرّ مقالي

إنْ كنت من حلل الفضائل ناسجاً

أبرادها فانسج على منوالي

ما فضل أبناء الزَّمان فضيلتي

كلاّ ولا أمثالهم أمثالي

إنَّا لنسمع بالكرام فأين هم

هيهات ما هم غير لمع الآلِ

لولا وجود ابن الجميل وجوده

قلت الزَّمان من الأكارم خالي

قرم لراحته وشدَّة عزمه

جود السحاب وصولة الرئبال

يعطي ولم يُسأل نداه وهكذا

يعطي الكريم ولو بغير سؤال

وأحق خلق الله بالمدح امرؤ

كثرت عطاياه من الإِقلال

خوَّاض ملحمة الأُمور بهمَّةٍ

جالت سوابقها بكلِّ مجال

ضربت به الأَمثال في عزماتها

حتَّى غدا مثلاً من الأَمثال

لا زالَ يُطلِعُ في سموات العُلى

أقمار مجدٍ أو نجوم خلال

خُلُقٌ يمازجه الندى فطلاهما

كالرَّاح مازجها غير زلال

يفتر عن وبل المكارم مثلما

يفتر عن وطفاء برق الخال

وعن المروءة وهي شيمة ذاته

ما حال عند تقلّب الأَحوال

يحمي النزيل بنفسه وبماله

يسخو بها كسخائه بالمال

والخوف يوم الطعن من وشك الردى

كالخوف يوم البذل من إقلال

إنَّ الشجاعة والسَّماحة حلَّتا

منه بأفضل سيِّد مفصال

يرتاح للمعروف إذ هو أهله

فيهش للإِنعام والإِفضال

مثل الجبال الرَّاسيات حلومه

أمنَ الأنام به من الزلزال

عوّل عليه في الشدائد كلّها

واسأل فثَمَّ محل كلّ سؤال

حيث المحاسن قُسِّمت أشطارها

فيه على الأَقوال والأَفعال

ومهذب سبق المقال بفعله

حيث الفعال نتيجة الأَقوال

ولطالما وعد العفاة فبادرت

يمناه الحسنى على استعجال

ويمدّها بيضاءَ يهطلُ وبلها

ويسيل شامل برها السيال

يعطي ولا منٌّ ويجزي بالذي

هو أهله وينيل كلّ منال

سامٍ إذا ما قست فيه غيره

قست الهضاب بشامخات جبال

قيل تعاظم كالرَّواسي شأنه

وكذاك شأن السَّادة الأَقيال

عزّت أبوَّته وجلَّ فنفسه

في العزِّ ذات أُبوَّة وجلال

يمّم ذرى عبد الغنيّ فإنَّه

لمناخ مجد أو محطّ رحال

آل الجميل وأهله ومحلّه

سادوا البريَّة في جميل خصال

الصائنون من الخطوب نزيلهم

والباذلون نفايس الأَموال

فغلت نفوسهم ببذل مكارم

للوفد ترخص كلّ شيء غال

فترى على طول المدى أيَّامهم

يومين يوم ندى ويوم نزال

يا من سرت عنه سباق محامد

تجتاب بين دكادك ورمال

فَسَرَت كما تسري نسايمها الصبا

عبقت بطيب نوافج وغوالي

عن روضة غنَّاء باكرها الحيا

فوهت بقطر الصيّب المنهال

ولقد قربت من المعالي قربك ال

داني من العافين بالإِيصال

فبعدت عن قرب الدنيَّة في الدنى

بعد المكارم من يد الأَرذال

وترفَّعت بك شيمة علويَّة

لم ترضَ إلاَّ بالمحلِّ العالي

سبق الكرام الأَوَّلين فقولنا

سبق الأُلى هذا المجلّي التالي

ممَّن يذلّ لديه صعب خطوبها

بأساً ويبطل غيلة المغتال

فكأنَّ حدَّة عزمه صمصامه ال

ماضي وفيصل عضبه الفصَّال

طلاّب شأو الفخر بين الورى

في المجد بين صوارمٍ وعوالي

والمجد يطلب في شفير مهنَّد

ماضي الغرار وأسمرٍ عسَّال

والفخر في فضل الفتى وكماله

والعزّ صهوة أشقرٍ صهَّال

لك منطقٌ يشفي القلوب كأَنَّه

بُرْءٌ من الأَسقام والإِعلال

ومناقب كست القوافي بردة

في الحسن ترفل أيّما إرفال

أضحى يغرِّد فيك مطرب مدحها

لا بالعقيق ولا بذات الضال

فاقبل من الدَّاعي قصيدة شعره

لأعدها من جملة الإِقبال

فعليك يا فخر الوجود معوَّلي

وإليك من دون الأنام مآلي

لولا علاقتنا بمدحك سيِّدي

لتعلَّقت آمالنا بمحال

فاغنم إذَنْ أجر الصّيام ولم تزلْ

تهنا بعَوْرِ العيد من شوال