سيظل ذكرك كالأريج في رثاء فقيد العربية أبو همام

نَبَاٌ أتى… ففزِعْتُ كالتّمْتَامِ

أَلِدُ الكَلامَ – أسى – لِغَيْرِ تَمَامِ

أَ مَضَى؟… أَ رَاحَ؟… أَ مَاتَ قبلَ لِقائِهِ؟

أَ يَمُوتُ فِي صَمْتِ أبُو هَمَّامِ؟

وعَصَاهُ؟.. راَحتْ، أمْ مَضَى مِنْ دُونِها

لَمْ يصْطَحِبْهَا بعْدَ إِلْفِ دَوَامِ؟

والعِلْمُ.. مَنْ للعِلْمِ بَعْدِ رَحِيلِهِ،

والشِّعْرِ؟ مَنْ لِنَوائِبِ الأيَّامِ؟

وَنَدَاهُ في “دَارِ العلُومِ”… أَ أَمْسَكَتْ

سُحُبُ الفضَائِلِ بعدَ طُولِ سجَامِ؟

قَدْ أيْنَعَتْ فيها عُقُولٌ شَادَهَا

ونَمَتْ، فَأَعْجَلَهَا الرَّدى بِفِطَامِ!!

لَوْ كَانَ أَمْهَلَهُ قَلِيلاً حَينُهُ

وَإِذَنْ رَجَوْتُ بِهِ لقاء هُمَامِ

لَوْ كَانَ… يَا حَرْفَ امْتِنَاعٍ، خَلْفَهُ

وَلَهِي عَلَى فُقْدَانِهِ وَهُيَامِي

أَبْكِي… وَمَا جَدْوَى الدُّمُوعِ وَقَدْ مَضَى؟

مَا حِيلَتِي.. وَالدَّمْعُ خَيْرُ كَلاَمِي؟

أَبْكِي.. وَأَعْلَمُ أَنَّ دَمْعِيَ مَا جَرَى

لَنْ أَجْتَنِي مِنْهُ سِوَى آلاَمِي

أَبْكِي.. وَذَا سَيْلُ المنُونِ غَزَا الحِمَى

وَأَتَى عَلَيْهِ.. فَأُغْرِقَتْ أَحْلاَمِي

أَبْكِي.. وَدَمْعِي فِيهِ خَيْرُ قَصِيدَةٍ

وَقَصَائِدِي فِيهِ بِغَيْرِ خِتَامِ

أَبْكِي.. وَأُمِّي قَدْ بَكَتْهُ وَأُمُّهُ

وَبَنَاتُهَا يَنْدُبْنَ أيَّ حُسَامِ!!

يَا أمُّ.. يَا لُغَةَ البَيَانِ وَسِحْرِهِ

لاَ ثُكْلَ إلاَّ ثُكْلكِ ابنَ كِرَامِ

فَلأَنْتِ أَبْكَى مَنْ بَكَاهُ.. لِبِرِّهِ

وَجِهَادِهِ وَبَيَانِهِ المتَسَامِي

وَلأَنْتِ أحْرَى بِالعَزَاءِ.. فَإِنْ بَكَى

لِبُكَاكِ نَجْلُكِ لَمْ يَكُن بمُلامِ

وإذَا بَكَى الشِّعْرُ الرَّصِينُ، وَلَمْ يُطِقْ

صَبْراً.. وَنَادَى –لَمْ يَكُنْ بِحَرَامِ:

وَاثُكْلَ مُنْسَرِحٍ/ مَضَى رُبَّانُهُ

مَنْ ذَا سُيُبْحِرُ بَعْدَهُ بِسَلاَمِ؟

يَتَهَيَّبُ الشُّعَرَاءُ سَطْوَةِ مَوْجِهِ

وَالموْجُ يَفْزَعُ مِنْ أَبِي هَمَّامِ

أَرْضَاهُ حَتَّى انْقَادَ جَامِحُهُ لَهُ

وَطَغَى فَأَلْجَمَهُ بِغَيْرِ لِجَامِ

وَإِذَا بَكَى الرَّجُلَ الجهَادُ، فَكَمْ حَمَى

ثَغْراً تَثَاقَلَ عَنْهُ كُلُّ مُحَامِ

دَفَعَتْ بِهِ العَرَبِيَّةُ اسْتِخْفَافَ مَنْ

ضَلُّوا فَقَامَ بِذَاكَ خَيْرَ قِيَامِ

فَاسْأَلْ بِهِ أَهْلَ الضَّلاَلَةِ.. إِنَّهُمْ

ذَاقُواْ بِسَاحَتِهِمْ أَمَرَّ طَعَامِ

كَانَ البقِيَّةَ مِنْ رِجَالٍ زَلْزَلُواْ

عَرْشاً لَهُمْ فِي يَقْظَةٍ ومَنَامِ

وَاسْأَلْ بِهِ “حُرّاً” تَحَرَّرَ أَهْلُهُ

مِنْ أَصْلِهِمْ وَتَقَيَّدُواْ بِحُطَامِ

جَعَلُواْ العَدُوَّ أخاً وَأَهْلَهُمُ عِدىً

فَالحرُّ فِيهِمْ قَاطِعُ الأَرْحَامِ

وَالحرُّ مَنْ فِي القَيْدِ –قَيْد عَدُوِّهِ

يَدْعُو الوَرَى لِعِبَادَةِ الأَصْنَامِ

وَاسْأَلْ بِهِ الأَدَبَ المصَفَّى وَالهدَى

في الرَّأْيِ.. وَالإِنْعَامَ في الإلْهَامِ

فَلَقَدْ مَضَى… وَكِتَابُهُ حَيٌّ فَتىً

لاَ يُبْتَلَى بِالموْتِ وَالأَسْقَامِ

وَالموتُ مَوْتُ الصَّالحاتِ فَإِنْ حَيَتْ

وتَنَاسَلَتْ نَابَتْ عَنِ الأَجْسَامِ

يَا أَيُّهَا العَلَمُ المسَافِرُ في الْمُدَى

أوْغَلْتَ حِينَ صَحِبْتَ رَكْبَ حِمَامِ

وَتَرَكْتَ خَلْفَكَ شِيعَةً لَكَ أَيْقَنَتْ

سَتَعِيشُ بَعْدَكَ غُرْبَةَ الأَيْتَامِ

وَرِثُواْ كِتَابَكَ عَنْكَ فَهْوَ عَزَاؤُهُمْ

والحُبَّ، وَهْوَ بِضَاعَةُ الإِسْلاَمِ

سَيَظَلُّ عِلْمُكَ بَعْدَ فَقْدِكَ قِسْمَةً

في النَّاسِ مِثْلَ نَوَائِبِ الأَيَّامِ

وَيَظَلُّ ذِكْرُكَ كَالأَرِيجِ تَضَوَّعَتْ

بِهِ كُلُّ عَابِرَةٍ مِنَ الأَنْسَامِ

في كُلِّ نَادٍ مِنْكَ تَغْدُو نَسْمَةٌ

وتَرُوحُ أُخْرَى في ابْتِداً وَخِتَامِ

فَعَلَيْكَ رَحْمَةُ رَبِّنَا يَا ابْنَ العُلاَ

وأَخَ الهدَى والمجدِ وَالإِقْدَامِ

أَفْنَيْتُ دَمْعِي في رِثَائِكُمُ وَلَنْ

تَفْنَى الشُّجُونُ وَحُرْقَتِي وَكِلاَمِي

فَدَعِ المدَامِعَ مِنْ عُيُونِ قَصَائِدِي

تُقْرِيكَ فَيْضَ تحيَّتِي وَسَلاَمِي