ابن سبيل

سار والدرب ركام من غباء

كلٌ شبرٍ فيه شيطان بدائي

كان يرتد ويمضي مثلما

تخبط الريح مضيقاً من عناء

بين جنبيه جريح هارب

من يد الموت ومسلول فدائي

يصلب الخطو على ذعر الحصى

وعلى جذع مدير من شقاء

وعلى منعطف أو شارع

من دم الذكرى وأنقاض الرجاء

من يعي يسأله:إلى أين؟

ضاع قدامي كما ضاع ورائي

وإلى لا منتهى هذا السرى

في المتاهات ومن غير ابتداء

إنني أخطو على شلوي وفي

وهوهات الريح أشتم دمائي

من يؤاويني؟ أيصغي منزل

لو أنادي أو يعي أي خباء؟

الممرات مغارات لها

وثبة الجن وإجفال الظباء

وهناك الشهب غربان بلا

أعين تجتاز غيماً لا نهائي

وهنا الشمس عجوز تحتسي

ظلها تصبو إلى تحديق رائي

من دنا مني؟ وكالطيف التوي

ونأى خلف خيالات التنائي

من وراء التل عنت غابه

من أفاع؟ وكهوف من عوام

وعيون كالمرايا لمعت

في وجوه من رماد وانحناء

إنه حشد بلا اسم وجهه

خلفه مرآة تزوير الطلاء

من يرى؟ أي زحام ودرى

إنه يرنو إلى زيف الخواء؟

وبلا زاد ولا درب مضى

كالخيالات الكسيحات الظماء

تخفق الأحزان في أهدابه

وتناغي كعصافير الشتاء

ينحني يستفسر الإطراق عن

وجهه الذاوي وعن باب مضاء

عن يد صيفية اللمس وعن

شرفة جذلى وعن نبض غناء

وتأنت نجمه أرسى على

جفنها طيف خريفي الرداء

فتملاها ملياً وارتدى

جو عينيه أصيلاً من صفاء

والتظى برق تضنى خلفه

ألف دنيا من ينابيع السخاء

وبلا وعي دنا من كوخه

كغريق عاد من حلق الفناء

فأحس الباب يلوي حوله

ساعدي شوق وحضناً من بكاء

أين من يسأله يخبره

عن مآسيه فيحنو أو يرائي؟

وجثا يحنو عليه منزل

سقفه الثلج وجدران المساء

وكما تنجر أم ضيعت

طفلها يبحث عن أدنى غذاء

يجتدي الصمت نداء أو يداً

أو فماً يفتر أو رجع نداء

ويداري الشهداء أو يرنو إلى

ظله يختال في ثوب نسائي

فتعاطيه مناه أكؤسا

من دخان؟ واحتضاناً من هباء

تحتسي أنفاسه أمسية

عاقر تمتص ألوان الهواء

هل هنا لابن السبيل الريح من

موعد؟ أو هُهُنا دفء لقاء؟

عاد من قفر دخاني إلى

عامر؟ أقفر من ليل الغراء

وغدا يبتدئ الأشواط من

حيث أنهاها إلى غير انتهاء

يقطع التيه إلى التيه بلا

شوق أسفار ولا وعد انثناء

وبلا ذكرى ولا سلوى رؤى

وبلا أرض ولا ظل سماء

عمره دوّامة من زئبق

وسهاد وطريق من غباء