تذكرت أيام من قد مضى

تذكّرتُ أيامَ من قد مَضى

فهاجَ لي الدمعَ سحّاً هتونا

فرَدَّدتُ في النفس ذكراهُمُ

ليُحدِثَ ذلك للقلب لينا

فقُلتُ لنَفسي وعاتبتُها

وقد أبت النفسُ أن تستَلينا

أتنسَينَ آثار من قد مضى

ودهراً تقاسيهِ قدما خؤونا

وقرع المنايا وايقاعُها

وصوتُ الصوائح فيما بُلينا

وما إن نزالُ على حادثٍ

يطيرُ لهُ القلبُ روعا حزينا

وما تهدأ النفس حتى أصا

ب بأخرى حديدٍ تصيبُ الوتينا

وإمّا دراكاً على إثرِها

وقدما تكادُ تهدُّ المتونا

وفى كل يوم وفي مسيةٍ

تكونُ النوائبُ بالموتِ فينا

وإما قريبا تراشُ به

وإما شمالا وإمّا يمينا

إذا سكن الروع عن ميّتٍ

بدهنا بآخرَ ينعى السكونا

وكيف البقاء على ما أرى

ستوتين عما قليل يقينا

دفنتُ الأحبةَ لم آلها

أهيل عليها ترابا وطينا

وكانت تعزُّ على أهلها

وأعزز بها اليوم أيضا دفينا

لقد غيّب القبرُ في لحدهِ

وقاراً نبيلا وبراً ودنيا

وصحبي والأهلُ فارقتهم

وكنتُ أراهُم رفاقاً عزينا

كأنّ تأوبَ أهليهم

حنينُ عشارٍ تحبُّ الحنينا

وإخوانُ صدق لحقنا بهم

فقد كنتُ بالقرب منهم ضَنينا

وأوحشَت الدار من بعدهم

أظَلُّ على ذكرهم مستكينا

أرى الناسَ يبكون موتاهمُ

وما الحَيُّ أبقى من الميّتينا

أليسَ مصيرهم للفنا

وإن عمَّرَ القوم أيضا سنينا

يساقون سوقاً إلى يومهم

فهُم في السياق وما يشعرونا

فإن كنت تبكينَ من قد مضى

فبكّي لنفسك في الهالكينا

وبكّي لنفسك جهد البكا

إذا كنتِ تبكين أو تغفلينا

فإنّ السبيل لكم واحدٌ

سيتّبِعُ الآخرُ الأولينا

وإن كنتِ بالعيشِ مغتَرَّةً

تمنّيك نفسُكِ فيها الظنونا

فتادي قبورَكِ ثمّ انظري

مصارِعَ أهلكِ والأقربينا

إلى أينَ صاروا وماذا لقوا

وكانوا كمثلك في الدور حيناً

وأينَ الملوك وأهل الحجا

ومن كنت ترضين أو تحذريا

وأين الذين بَنوا قبلَنا

قروناً نتابعُ تتلو القرونا

أتيتُ بسنّين قد رُمّتا

من الحصن لما أثاروا الدفينا

على وزن منين إحداهُما

تقلّ بها الكف شيئا رزينا

ثلاثين أخرى على قدرها

تباركت يا أحسن الخالقينا

فماذا يقومُ لأفواهِهم

تباركَت يا أحسن الخالقينا

إذا ما تذكّرتُ أجسامَهُم

تصاغَرت النفسُ حتى تهونا

وكل على ذاك لاقى الردى

وبادوا جميعا فهم خامِدونا