ما كان يدري كيف يصبح هاجرا

ما كان يَدري كيفَ يصبحُ هاجِرا

والغرُّ تجعلُه التجارِبُ ماهِرا

رشأ سمِعتُ لصُدغه ولخدِّه

في هذه الدنيا حَديثاً سائِرا

فإذا رأيتَ عليه طَرفاً واقعاً

فاعلَم بأن هناكَ قلباً طائِرا

لو لم تكُن عَيني دليلةَ عينِه

لم يصِبح المكسورُ منها كاسِرا

أنشِطتَ تقتُلُني كأنك لم تكن

يا طرفَه ذاك الضعيفَ الفاتِرا

ولمثل ذلك كنتُ أذخُر سَلوتي

فطلَبتُها فوجدتُ رسماً داثِرا

فجعلتُ حين غُلِبتُ أصفح عن دمي

هل يصفحُ الإنسانُ إلا قادِرا

ومدامةٍ صبَّحتُها بعصابةٍ

يتناقلونَ بها زجاجاً دائِرا

كان الصباحُ كأنه في نُورهم

ليلٌ وكانوا فيه صُبحاً زاهِرا

فكأنما خمَّارها أضحى لها

من بعضِ أخلاقِ الندامى عاصِرا

حتى إذا ما السكر خالَطهم غدا

كلٌّ يقيم على الرواح مَعاذرا

وبقيتُ أشربُها فريداً راضياً

بجميل ذكركَ يا فريدُ معاشِرا

إني لَتعذبُ لي صفاتُكَ واثقاً

بالصدقِ فيها ناظماً أو ناثِرا

للَه بحر ندىً إذا بحرُ الرَّدى

أمسى يعبُّ غدا عليه زاخِرا

يقظاتُه وهباتُه وصفاتُه

موجودةٌ في ساحليهِ جواهِرا

ولربَّ سُحب كريهةٍ كلَّفتها

حملَ النجيعِ وكان منها ماطِرا

وجعلتَ تخطر تحتَها في جحفلٍ

مازال يعقِدها غُباراً ثائِرا

والسحبُ تُفنيها الرياحُ وهذه

سحبٌ تكونُ رياحُهن حوافِرا

يا ليت أنك كنتَ تلقى تحتها

فيمَن تُلاقيه الزمانَ الجائِرا

كي تستريحَ عُفاة جودِك أنهم

كسَروا من الشكوى إليك دفاتِرا

ما إن سمعتَ أبا الوَحيد بواحدٍ

جمع الأسودَ فقادَهن عساكِرا

لقد انفرَدت فكنت وحدَك سامعاً

ثم انفرَدتُ فكنتُ وحدي شاعِرا

فلَطالما كثُرت أقاويلُ الورى

فأتيتُ بالنَّزر القليلِ مُكاثِرا