مأساة التاريخ

مدخل

ذاتَ يوم وشتاءٌ قارًسٌ

ينشر في الجوِّ غيومَهْ

وهواءٌ باردٌ يلسع وجه الشمس

والسُّحْبُ عقيمهْ

وجبين الفجر مسجونٌ وراءَ الغيمِ يجترُّ همومهْ

كنت استمطر آمالي وأستقبل فجري

بسؤالٍ وسؤالْ : أيُّها الفجرُ لماذا تتوارى؟

لماذا تطرد اللَّيل وترتدُّ وراءَ الغيمِ مهزوما ًكسيرا؟

وتمطَّى الفجرُ من خلف الغيومِ

وبدا نصفُ جبينَ الشمس ياروعتهُ

مثلما.. يفترُّ ثغرُ الغادةِ الحسناءِ عن نصف ابتسامهْ

وغناءُ البلبلِ الصدَّحِ ينساب إلى أعماقنا

مثلما ينسابُ صوتٌ ناعمٌ في هدأةِ الليلِ

إلى سمع محبٍّ

ونداءٌ غارق في الأُفُقٌِ سكبته الريح في أسماعنا

مثلما..تسكب صوتاً لشريدٍ تاه في وسط مغارهْ

أو.. كما تسكب صوتاً لغريقٍ شهـِد الموجُ احتضارهْ

وسجنَّا الأُفق في اعيننا علنا نلمح في صفحتِهِ

صورةً تُنبئنا عن ذلك الصوتِ العميق

واحتبت لحظاتُنا بالصمتِ لم تنطق شَفَهْ

وصياح الريح يُفضي بنوايا ذلك اليوم الشتائي ويحكي صلفه

أين ذاك الصوتُ؟

هل أرهبهُ منظرُ الشمس بدتْ ملتحفه؟

أم تراهُ.. تاه عن آذاننا بين أكوام السحاب؟

لحظةٌ مرتْ وعاد الصوتُ أقوى وأشدَّا

ظلَّ يدعونا ألى أُفقٍ بعيدٍ

فمضينا وسمعنا ووعينا

الصوت

أيها اللاهون..والأيام جدُّ

ان يكن في الروضِ عصفورٌ شدا

وزهورٌ ضحكتْ ونسيمٌ..يبعث النشوةَ في أنفسكم

فاعلموا أنَّ الربيع الطلق يأتي بالخريف

ورياح الصيف تأتي بالشتاء

أصوات

أيُها الصوتُ تمهَّل

نحن قومٍ لنا في كُلَّ ميدان بطولهْ

لا تنل منا فإنا أهل عزمً ورجولهْ

سل بنا تاريخنا الحرَّ المجيدا

فلنا في كلَّ شبرٍ من أراضينا حكايهْ

الصوت:ساخراً

أيَّ عزم تقصدون؟

ما أرى..

إلا بطوناً شبعتْ ونفوساً خضعتْ

ما أرى

إلا عقولاً شغلتها لذَّةُ الأحلامِ عن تفكيرها

أنا لا أسألُ عن تاريخكم

إنما أسألُ عن أعمالكم

“صمت”

الصوت

لم هذا الصمتُ يلتفُّ على أفواهكم؟

الأصوات: ” في هدوءٍ له معنى”

أترانا..

قد نبتنا فوق وجه الأرضِ من غير جذور؟

الصوت “بلهجةٍ جادة”

إنّ للتاريخِ ياقومُ حكايا

لم أزلْ احملها في جعبة الشك وأمضي

الأصوات

أيُها الصوتُ تدبَّر ما تقولُ

إنّ للتاريخ في أنفسنا منزلاً ما أعظمهْ

هل ينال العزَّ قومٌ جهلو تاريخهم

الصوت

أيُها القوم رويداً

لا تلوموني فقد..جاوز التاريخ حدَّهْ

حينما.. أذعن للطغيانِ

يُملي ويدُ التاريخِ يا ويل يدِ التاريخ تكتبْ

تجعل الخائن شهْما تلبسُ الباطل حقا

جاوز التاريخ حدَّهْ

جعل الزلة عزَّا ودماءَ الناسِ للطاغين خمرا

أين يغدو ذلك التاريخُ عنّا؟

قد كشفنا كلَّ زيفهْ

كلُ سطرٍ فيه يُخفي ألف سطرٍ

ووراء الحرفِ أشتاتُ حروفٍ

علَّمتنا..أنّ مايخفيه أعظمْ

فلماذا أُذُنُ التاريخ تصغي لنداء الظالمين؟

ولماذا يستجيب؟

“تتجه الأنظار إلى الأفق حيثُ ترى شبحاً قادماً يظل يقترب حتى يصل”