المرتقى

“القصيدة التي افتتح بها مهرجان المربد الرابع عشر عام 1998”.

….

ما قلتُ يوماً سوف أفتحُ منفذاً لدمي

على هذه القصيدة

لأرى بها وجَعي يُراقْ

إلا وجدتُ منافذي سُدَّتْ بأوجاع العراقْ!

..

لك الحمدُ يا وطني

إنَّ كل كأسَكَ كأسي

وأنَّك تسكنني

بين نفسي ونفسي!

ولذا سأعبرُ نحوَ جرحي من جراحِكْ

أنا ريشةٌ دميَتْ

ومازالت ترفرفُ في جناحِكْ

يا هائلَ الجنحَين،

ما أبهى صعودَكَ في رياحك!

وأحسُّ دمَكْ

أن الريشةُ الراجفه

يُبلِّلنُي أجمَعي

وجناحُكَ يضربُ في العاصفه..

إصعَدْ على الريح، والأمطار، والحلَكِ

إصعَدْ فإنَّ مداها ذروةُ الفَلَكِ

إصعَدْ، فمرَقاكَ كفُّ اللهِ تحرسُهُ

وأنت ترقى عليهِ مُرتقى مَلَكِ

إصعَدْ.. سترتبكُ الدنيا بآهلها

وأنت تدمى عليها غيرَ مرتبكِ!

اللهَ يا وطناً تُبقيهِ عزَّتُهُ

طلْقَ المُحيّا ولو في قمَّةِ الضَّنكِ!

اللهَ يا مالكي.. اللهَ يا ملِكي

أفديكَ مشتبكاً في ألف مُشتَبَكِ

أفديك جرحاً كبيراً ليس تُسلِمُهُ

أوجاعُ معتَركٍ إلاّ لمعتركِ!

يا نُبلُ يا وطني

يا بذرَ خيرٍ نَما في أردأ الزَّمَنِ!

..

كيف أدخلُ من جرحِكَ الآن نحو دمي؟

كيف أُفصحُ عن ألمي؟

لو يُطاوعني قلمي

لَكتبتُ في هذي القصيدةِ أنّني أهلي عدوّي

لكتبتُ أنّ دمي يُرَوّي

عاماً على عامٍ صحاريهم

وهم رعدٌ يُدَوّي!

لكتبتُ أنَّ الأرض

لولا خوفُها

دارتْ مَدارَكْ

لكتبتُ أنَّ جميعَ أهلِ الأرض،

في أعماقهم

حملوا شعارّكْ

جمعوا ثمارَكْ

ما اسّاقطَتْ بين الخرائبِ والدِّما،

وبكوا دمارَكْ

إلاّ عمومتكَ التي هتكَتْ خيانتُها ستارَكْ

ورأوكَ محتضناً صغارَكْ

فتلصَّصوا يتَرقَّبون متى العدوُّ يهدُّ دارَكْ

اللهَ يا وطني،

وأنت بنَيتَ سقفاً من ضلوعكَ

فوقهم

وأقَمتَ من شهداءِ بيتكَ حولَ عاريهم جدارَك!

*

إصعَدْ على النارِ، والأمطارِ، والظُلَمِ

اصعَدْ، فإنَّ مداها ذروةُ الألَمِ

إصعَدْ، فحولَكَ حتى الرّيح نازفةٌ

على النّيازكِ، والأفلاكِ، والسُّدُمِ

وليس في الكون من سقفٍ تلوذُ بهِ

إلا جناحاك في هذا الدُّجى العرِمِ

إصعَدْ، فلَيلُكَ فيه ألفُ موحشةٍ

وألفُ نصلٍ بجنحِ الليلِ مُلتَثِمِ

وألفُ نادبةٍ تعلو هواتفُها

وأنتَ تسعى إليها سعيَ مُعتصمِ

اصعَدْ.. جناحُكَ هذا لا قرارَ لـهُ

إلاّ على الموت، أو إلا على القِمَمِ

يا باذخَ الكبرِ، يا عملاقُ، يا وطني

يا هائلَ الجرحِ، والأوجاعِ، والقيَمِ

معجونةً لِصْقَ بعضٍ.. كلُّ نازفةٍ

تجري يضيءُ بها سَيلٌ من الشيَم!

وأنت تبحثُ عن عصرٍ مقطَّعةٍ

حبالُهُ.. عن زمانٍ بالغِ القِدَمِ

عن معشرٍ جرفَ الطوفانُ نخوتَهم

فليس منهم سوى الأوتادِ والخيَمِ

عفَّى الزَّمان على من كنتَ تعرفُهم

ولم يدَعْ غيرَ أشباحٍ بلا ذمَمِ

وأنتَ مازلتَ تسعى في مقابرهم

فما الذي تَرتجي من هذه الرِّمَمِ؟!

إصعَدْ.. هي الرّيح.. أنت أختَرتَ صهوَتَها

وأنتَ تدري بها مجنونةَ اللُّجُمِ.

وأنتَ وحدَكَ من يلوي أعنَّتَها

فاشكُمْ مَداها بهذا الغيظِ ينشَكِمِ!

والغَيظُ أنتَ فلا واللهِ ما اشتعلَتْ

أرضٌ، ولا انفجرَتْ أرضٌ من الوَرَمِ

بمثلِ ما انفجرَ الصَّبرُ الرَّهيبُ لَظىً

في هذه التُّربةِ الحُبلى بألف دمِ!

يا هائلَ الضَّرَمِ

يا هُولةَ الصَّبرِ، والإقدامِ، والكرَمِ

أطلِقْ مداك فقد شابكتَ أوعرَها

صخراً، وأوغَرَها صدراً.. ولم تُضَمِ

بلى نزَفتَ، ومازالت تنزُّ دماً

جراحُكَ الغُرُّ لكنْ.. دونما ندَمِ

للكبرياءِ، كما علَّمتَنا، هرمٌ

وسوف نصعَدُ حتى قمَّةِ الهرمِ

فإنْ تَكُ الآن أمريكا بها إرَماً

يوماً ستنقلبُ الدُّنيا على إرَمِ!

يا مُنحنى ألمي

يا سيّدي.. يا عراقي.. يا نجيَّ دمي

نذرٌ بلا ندمِ

أنّي سأفصدُ شرياني على قلمي

وأكتبُ اسمَكَ في أبهى عناويني

في أضلُعي.. في ضميري.. في دواويني

سأرسمُ العين.. من عيني سأمنحُهُ

ضوءاً.. وأعقفُهُ عَقفَ العَراجينِ

مقدِّساً فيه سرَّ النَّخلِ أجمعِهِ

معلِّقاً فيهِ أسرابَ الحساسينِ

ينقرْنَ من تَمرِهِ حيناً، ومن فرحي

حيناً، فيثمَلْنَ بين الحينِ والحينِ!

والرّاء لَثغةُ عصفورٍ لثغتُ بها

طفلاً.. وظلَّتْ تُغنّي في شراييني

لليوم هلهولةُ أمّي إذ نطقتُ بها

لم تألُ تنشرُني طفلاً وتطويني!

سأرفَعُ الألِفَ القدّيس صاريةً

إلى الغيوم.. فأسقيها، وتسقيني

والقاف قلبي لها بيتٌ وقافيةٌ

وقولُهُ “قاف والقران” يكفيني

أن أختم الآن باسمِ اللهِ قافيتي

واسمِ العراق الذي يبقى يُناديني!