يا شادي الأيك

أكبَرتُ مَغناكَ أن يَذوي كَمَغنانا

يا شاديَ الأيكِ عُمرَ الأيكِ ما هانا

يَبقى النَّدى ما بَدا للضَّوءِ منهُ مَدى

يَجري إليهِ ، ويَبقى الأيكُ سُلطانا!

وأنتَ يا سَيِّدي ناجَيتَهُ مَلَكا ً

فَرَفرَفَ الشَّجَرُ المَذهولُ هَيمانا

غَلغَلتَ صَوتَكَ في الأنساغ ِيُوقِظُها

حتى تَفَتَّحَت ا لأوراقُ آ ذانا!

أسرَجتَ في الغَيم ِبَرقَ الشِّعرِأجمَعَهُ

وحينَ أمطَرتَ َماجَ الكَونُ ألحانا!

تُرى أغَنَّيتَ ، أم رَتَّلتَها صُحُفا ً

تَنثالُ من مَلَكوتِ اللهِ أوزانا؟

مَلأتَ أنهارَ كلِّ الأرض ِأشرِعَة ً

وقُلتَ لِلماءِ : كُنْ يا ماءُ طُوفانا

وجئتَ بالوَحي ِ آياتٍ مُعَطَّرَة ً

سالَتْ بِهِنَّ فَجُنَّ الماءُ سَكرانا!

طُوباكَ والأيكُ قد أهداكَ بَهجَتَهُ

نحنُ امتُحِنَّا بِهِ وَردا ً وأغصانا!

*

*

مُحَمَّدَ بنَ سُلَيمان ٍ.. وأيُّ رؤىً

لِلوَحي ِمَوسَقتَها مَوجا ًوشُطآنا؟

سُبحانَ رَبِّكَ هَل داوودُ خُصَّ بها

هذي المَزاميرُ أم خَصَّتْ سُلَيمانا؟

فَحاشَها لابنِهِ .. تَلهو أصابِعُهُ

بها .. مَلائِكَة ً يُوقِظنَ شَيطانا!

*

*

يا سَيِّدي.. يا نَدِيَّ الحَرفِ تَقدَحُهُ

جَمرا ً، وَيَبقى على الأوجاع ِنَديانا

كأنَّ حَرفَكَ ، مِمَّا فيهِ مِن وَهَج ٍ

وَخُضرَةٍ ، نَبعُ ماءٍ أشمَسَ الآنا!

كأنَّهُ ، وَجَناحُ الوَحي ِ يَحمِلُهُ

نجمٌ يُشَعشِعُ في الظَّلماءِ نَشوانا

وَنَحنُ يا سَيِّدي أوراقُنا اختَنَقَتْ

مِمَّا نَمُجُّ بِها دَمعا ً وَدُ خَّانا

رِقابُ أحرُفِنا مَلويَّة ٌ أبَدا ً

فَوقَ السُّطور، فَنَخشاها وَتَخشانا

صِرنا كلانا نَخافُ السَّطرَ نَكتُبُهُ

أن يَستَفيقَ، فَنُغضي عن نَوايانا!

فَنَحنُ نُخفي ، وَتُخفينا قَصائِدُ نا

تَحتَ الرُّموز .. وَنَنساها وَتَنسانا!

*

*

سَبعينَ عاما ًطَوَينا نُستَفَزُّ دَما ً

فَتَملأ ُ الأرضَ أرحاما ً مَنايانا

يَلِدنَ لِلثَّأرِ أزكى وارِثي دَمِنا

إذ نحنُ فيها ظُبا ً أ ُلبِسْنَ أكفانا!

تَبقى القبورُ وِلا دا تٍ مؤَجَّلَة ً

ما دامَ فيها كِبارُ الهَمِّ سُكَّانا!

*

*

سَبعينَ عاما ً، وَتَدري السُّوحُ أجمَعُها

أنَّا أقَمنا بِجُرفِ المَوتِ مَرسانا

أبهَى أ ُوَيلادِنا كانوا بِها شُهُبا ً

تَهوي وأركانُها تَهتَزُّ أركانا

والآنَ صِرنا نَخافُ الحَرفَ نَكتُبُهُ

وَنَتَّقي قَبلَ كلِّ النَّاس ِقُربانا!

يا لَيتَ تلكَ السِّنينَ الغُرَّ ما سُقيَتْ

وليتَ ذاكَ النَّزيفَ المُرَّ ما كانا!

*

*

يا سَيِّدي البَدَويَّ الكَربُ زَلزَلَني

هَبْ هذهِ الكَلِماتِ العُرْجَ سِيقانا

لَعَلَّني بِشَراييني ، على عَرَجي

أ ُقيمُ منها لِبَعض ِالنَّاس ِميزانا

أقولُ لِلمُحْدِقينَ الآنَ بي عَرَبا ً

أخزاكُمُ اللهُ أعماما ً وإخوانا

بلادُكُم كُلُّها حُزَّتْ حَناجِرُها

وما تَزالونَ لِلجَلا َّدِ أعوانا!

أقولُ إنَّ بَنيكُم يَسألونَ غَدا ً

آباؤهُم أينَ كانوا مِن رَزايانا؟

ماذا نَقولُ لهُم؟..كانوا سَماسِرَة ً

لِلمُعتَدي؟.. بِأخَسِّ البَيع ِأثمانا؟!

ماذا نقولُ؟..غَزَتْنا مِن مَنازِلِكُم

هذي الأفاعي التي هِيضَتْ بمأوانا؟

وأنَّكم ، لا يَبِلُّ اللهُ ريقَكُمو

بيوتُكُم صِرْنَ لِلغازينَ أوطانا؟

وأنَّ مَجمَرَة ً شَعوا مَداخِنُها

مِن كلِّ أبياتِكُم يَنفُثْنَ دُخَّانا

غَدا ًتُشَبُّ بأرض ِالعُرْبِ أجمَعِها

وَتَعتَلي شَعفَة َالإسلام ِنيرانا؟

ماذا نَقولُ إذا كانَت كرامَتُكُم

تَبكي على قَدْرِها مِن فَرْطِ ما هانا!

صِرتُم تَغيظ ُأذ َلَّ النَّاس ِضِحكتُكُم

ما قِيلَ عَن واحِدٍ مِن بَينِكُم : خانا!

كأنَّها نُكتَة ٌ تُستَضحَكونَ بِها

هَل أصبَحَتْ لُغَة ُالإذلال ِإدمانا؟!

أم زادَ قَدْرُكُمو في الذ ُّلِّ مَرتَبَة ً

إذ صرتُم الآنَ خُدَّاما ً وعُبدانا؟!

*

*

يا سَيِّدي عُذرَ صَوتي أنْ يَمُجَّ دَما ً

صِرنا نُجَدِّفُ حَدَّ الكَفْرِ أحيانا

فَأيُّ أستارِنا لِلانَ ما هُتِكَتْ؟

وأيُّ أقطارِنا لِلآن ما عانى؟

ها ساحَة ُالعُربِ والإسلام ِمَذبَحَة ٌ

وَها دِمَشقُ تُباكي الآنَ بَغدانا

صَرْحٌ هَوى لا نَخَونا فيهِ مُعتَصِما ً

ولا نَدَبنا ، ولو بالهَمس ِ، مَروانا

ولا صَرَخنا كَما المَطعونُ يَصرخُ مِن

أعماق ِطَعنَتِهِ كِبْرا ً وَنُكرانا

لكنْ نُنَمِّقُ حَدَّ اللَّمع ِصَرخَتَنا

وَقَد نُرَقِّقُ حَدَّ الدَّمع ِ ِشَكوانا

صرنا أذ َلُّ الورى يَبري عَصاهُ لَنا

ونحنُ نَبسِمُ إشفاقا ًوإذعانا

أفديكَ يا سَيِّدي إذ قلتَ مُنذ َبِحا ً

{ تَأنَّقَ الذ ُّلُّ حتى صارَ غُفرانا!}

*

*

يا سَيِّدي البَدَويَّ الآنَ يَشفَعُ لي

هذا النَّزيفُ بأن آتيكَ ظَمآنا

أقولُ جَفَّتْ مياهُ العُرْبِ أجمَعُها

وأنتَ أحفَلُها بالماءِ وِديانا

فَهَبْ فَمي رَشفَة ًمِمَّا زَخَرتَ بهِ

مَدى حَياتِكَ أنهارا ًًوَغُدرانا

لَعَلَّني ، وَلَظى بغدادَ يَنظرُ لي

أجري ولو جَدوَلا ًفي جَمرِهِ الآنا

لعَلَّ صَوتيَ يَعلو في مَنائِرِهِا

بِبَعض ِصَوتِكَ إنجيلا ً وقُرآنا

يُقَبِّلُ النَّاسَ إنسانا ً فَإنسانا

وَيَحضُنُ الدُّورَ أبوابا ًوَجُدرانا

يَقولُ دَفقَة ُماءٍ مِن دِمَشقَ أتَتْ

تَسقيكُم الآنَ عَطشانا ًفَعَطشانا

تُبَلسِمُ الرُّوحَ حتى تَستَفيقَ بها

تلكَ المروءاتُ غَنَّاهُنَّ أزمانا

إذ ذاكَ يا سَيِّدي يَغفو بِأعيُنِنا

مُحَمَّدُ بنُ سُلَيمان ٍ سُلَيمانا!