ألا رحلت نعم وأقفر نعمان

أَلا رَحَلَت نُعمٌ وَأَقفَرَ نعمانُ

فَبُح بِاِسمِها إِن عَزَّ صَبرٌ وَسُلوانُ

شُرَيكِيَّةٌ مُرِّيَّةٌ حَلَّ أَهلُها

بِحَيثُ تَلاقى بَطنُ مرٍّ وَمرّانُ

وَعَهدي بِها إِذ ذاكَ وَالشَملُ جامِعٌ

وَصَفوُ التَداني لَم يُدارِكهُ هِجرانُ

وَنَحنُ جَميعاً صالِحُونَ وَحالُنا

تَسُوءُ العِدى وَالكُلُّ في اللَهوِ جَذلانُ

فَكَم يَومِ لَهوٍ قَد شَهِدتُ وَلَيلَةٍ

وَلَيسَ عَلَينا لِلعَواذِلِ سُلطانُ

نَروحُ وَنَغدُو لا نَرى الغَدرَ شِيمَةً

وَلا بَينَنا في الوَصلِ مَطلٌ وَلَيّانُ

وَمُبدِيَةٍ تِيهاً عَلَيَّ وَقَد رَأَت

بَياضاً بِرأسي قَد بَدا مِنهُ رَيعانُ

فَقُلتُ لَها لا يا اِبنَةَ القَومِ إِنَّني

أَعِزُّ إِذا ذَلَّت كُهُولٌ وَشُبّانُ

وَإِنّي لَمِن قَومٍ أُباةٍ أَعِزَّةٍ

مَصالِيت ما خامُوا قَديماً وَلا خانُوا

لِيَ النَسَبُ الوَضّاحُ قَد عَلِمَت بِهِ

مَعَدٌّ إِذا عُدَّ الفَخارُ وَعَدنانُ

إِذا اِفتَخَرَت بِالضَجعَمِيِّينَ قَومها

قُضاعَةُ وَاِنتاشَت عُرى العِزِّ قَحطانُ

وَجاءَت بِأَولادِ التَبابِعِ حِميَرٌ

وَمَدَّت بَضَبعَيها إِلى الفَخرِ كَهلانُ

وَقالُوا لَنا الأَنصارُ أَوسٌ وَخَزرَجٌ

وَحَسبُكَ مِن فَخرٍ لَهُ الذِكرُ وَالشانُ

وَجاءَت بَنُو كَعبٍ بِعَبدِ مَدانِها

وَطالَت بِزَيدِ الخَيلِ طَيٌّ وَنَبهانُ

وَعَدُّوا عَلى العِلّاتِ أَوساً وَحاتِماً

عَلى ثِقَةٍ أَن لا يُسامِيهِ إِنسانُ

وَقامَت تَرُومُ المَجدَ لَخمٌ بِمُنذِرٍ

وَعَمرٍو وَنُعمانٍ وَحَسبُكَ نُعمانُ

وَعَدَّت بَنُو ساسانَ كِسرى وَهُرمُزاً

وَسابُورَ وَالأَملاكَ أَعقَبَ ساسانُ

فَقَومي الأُلى أَجلُوا قُضاعَةَ عَنوَةً

وَدانَت لَهُم كَلبٌ وَنَهدٌ وَخَولانُ

وَهُم فَلَّقُوا هامَ التَبابِعِ إِذ طَغَت

يُقِرُّ بِهِ وادي خَزازى وَسُلّانُ

غَداةَ تَوَلَّت حِميرٌ في جُمُوعِها

وَذاقَ الرَدى في مُلتَقى الخَيلِ صُهبانُ

وَهُم ضَرَبُوا عَبدا المدانِ بِمَنعَةٍ

وَقَد شُرِعَت فِيهِم سُيوفٌ وَخِرصانُ

وَهُم نَصَرُوا بَعدَ النَبِيِّ وَصِيَّهُ

ولا يَستَوي نَصرٌ لَدَيهِ وَخِذلانُ

وَجاءَت بِزَيدِ الخَيلِ قَسراً خُيُولُهُم

أَسيراً لَها وَالجَوُّ بِالنَقعِ مَلآنُ

فَلَولا جِوارٌ مِن يَزيدِ بنِ مُسهِرٍ

لَراحَ وَضَيفاهُ عُقابٌ وَسِرحانُ

وَبَذّوا بِمَعنٍ جُودَ أَوسٍ وَحاتمٍ

وَلا يَستَوي بَحرٌ خِضَمٌّ وَخلجانُ

وَعاذَت بِهِم مِن دَهرِهِم آلُ مُنذِرٍ

فَصانَهُمُ حامي الحَقيقَةِ صَوّانُ

وَلَم يَحمِ كِسرى مِن حُدودِ سُيُوفِهِم

لُيُوثٌ لَها بِالجَوِّ زَأرٌ وَزُورانُ

وَهُم مَلَكُوا أَكنافَ نَجدٍ وَطَأطَأَت

لِعِزّتِهِم بِالشامِ عَمرٌو وَغَسّانُ

وَسارَت إِلى البَحرَينِ مِنهُم عِصابَةٌ

مَصاليتُ غاراتٍ مَغاويرُ غرّانُ

فَعَن هَجَرٍ ذادُوا القَرامِطَ عَنوَةً

وَقَد شَرِكَت فيها عَتيكٌ وَحُدّانُ

وَسارُوا إِلى أَرضِ القَطيفِ فَلَم يَكُن

لِيمنَعَها مِنهُم حُصُونٌ وَحِيطانُ

وَلَم تَمتَنِع مِنهُم أَوالُ بَمُزبِدٍ

مِنَ اليَمِّ تُزجيهِ شَمالٌ وَمَرخانُ

لَياليَ يَحمي الجابِرِيَّة مِنهُمُ

إِلى الرَملِ مِطعامُ العَشِيّاتِ مِطعانَ

وَإِن سَلِمَت نَفسُ الأَميرِ مُحَمَّدٍ

شَكَت مِن سَراياهُ عُمانٌ وَعَمّانُ

وَسارَت إِلى أَرضِ الشآمِ جُيُوشُهُ

وَلَم يَمتَنِع مِنها زَبيدٌ وَنَجرانُ

فَتىً لَم يَزَل يَسمُو إِلى كُلِّ غايَةٍ

إِذا راحَ حَظُّ القَومِ نَحسٌ وَنُقصانُ

لَقَد ضَلَّ قَومٌ مِن عُقَيلٍ وَما اِهتَدُوا

بَلى إِنَّهُم فِيما تَمَنَّوهُ عُميانُ

لَئِن طَلَبَت أَهلُ المَمالِكِ حَقَّها

وَسارَ بِهِم قَلبٌ إِلى المَجدِ حَرّانُ

فَلا عَجَبٌ أَن يَطلبَ الحَقَّ أَهلُهُ

فَلِلدَوحِ أَوراقٌ نَشَأنَ وَأَغصانُ

فَلَيسَ لِقَومٍ غَيرِهِم أَن يُعَرِّضُوا

نُفوسَهُمُ لِلّيثِ وَاللَّيثُ غَضبانُ

فَيُوشِكُ إِن جاشَت غَوارِبُ بَحرِهِ

يُغَرِّقُهُم مِنهُنَّ مَوجٌ وَطُوفانُ

فَيا آلَ كَعبٍ لا تَخُونُوا عُهُودَهُ

فَلَيسَ بِراقٍ ذِروَةَ المَجدِ خَوّانُ

فَكائِن لَهُ مِن نِعمَةٍ بَعدَ نِعمَةٍ

عَلَيكُم وَإِحسانٍ يُوالِيهِ إِحسانُ

تُقِرُّ بِهِ أَحياءُ قَيسٍ وَخِندِفٍ

وَبِئسَ جَزاءُ القَومِ غَدرٌ وَكُفرانُ

كَفاكُم مُقاساةَ الأَعادي فَأَصبَحَت

تُجَرُّ لَكُم في باحَةِ العِزِّ أَرسانُ

وَقادَ جِيادَ الخَيلِ قُبّاً عَوابِساً

عَلَيهِنَّ فِتيانٌ مَصاليت شُجعانُ

فَرَدَّ سَعيداً عَن هَواهُ وَقادَهُ

تَحُفُّ بِهِ خَيلٌ عِرابٌ وَرُكبانُ

وَأَقسَمَ أَن لا بُدَّ مِن دارِ عامِرٍ

وَلَو حالَ مِن دُوني ثَبيرٌ وَثَهلانُ

وَأَغنى ذَوي الحاجاتِ مِنكُم بِمالِهِ

فَأَضحى لِكُلٍّ مِن عطاياهُ دِيوانُ

وَكَم راجِلٍ أَمسى بِنُعماهُ فارِساً

وَكانَت صَفايا مالِهِ المَعزُ وَالضانُ

وَكَم مِن حَريبٍ راحَ نَهباً سَوامُهُ

فَراحَ عَلَيهِ لِلكآبَةِ عُنوانُ

فَأَما أَتاهُ شاكِياً مِن زَمانِهِ

غَدا مِن عطايا كَفِّهِ وَهوَ جَذلانُ

وَكَم مُذنِبٍ قَد خافَ مِنهُ عُقُوبَةً

تَلَقّاهُ مِنهُ حُسنُ صَفحٍ وَغُفرانُ

وَكَم مِن قَبيلٍ راحَ يَزحَفُ بَعضُهُ

لِبَعضٍ وَقَد شُبَّت بِوَادِيهِ نِيرانُ

تَلافاهُ مِنهُ حُسنُ رَأيٍ وَسَطوَةٍ

فَراحَ وَقد ماتَت حُقُودٌ وَأَضغانُ

وَأُقسِمُ أَن لَو كانَ في عَصرِ وائِلٍ

لَما اِقتَتَلَت عَمرُو بنُ غَنمٍ وَشَيبانُ

فَعِش وَاِبقَ يا تاجَ المُلوكِ مُؤَيَّداً

لَكَ النَصرُ جُندٌ وَالمقادِيرُ أَعوانُ

مُعاديكَ مَغنُومٌ وَراجيكَ غانِمٌ

وَمَجدُكَ مَحرُوسٌ وَرَبعُكَ فَينانُ