فؤاد أطاع الوجد بين المعالم

فؤادٌ أطاع الوجدَ بين المعالمِ

وطرفٌ عصى غيرَ الدموع السواجمِ

متى لاح برقٌ فاضَ دمعي صبابةً

فلولا الهوى ما كنت أبكي لباسمِ

أسكَّانَ نجدٍ لم يكن عهدُ وصلكم

وغضِ الصبا إلاَّ كأحلام نائمِ

هبونا هدىً إن لم تجودوا بسلوةٍ

فإنَّا ضللنا في صباح المباسمِ

وقد حجبتْ عنَّا شموس دياركم

فما بالنا من ففقدها من سمائمِ

لي الله من وجدٍ يهيجهُ الصَّبا

وحر هوى يذكيه نوحج الحمائمِ

يقوم خطيبُ الدمع في موقف النَّوى

فيفصح عن سجع الحمام الأعاجمِ

تناوحنَ في عرس من الدوح قائمٍ

ولكنَّنا من شدوها في مآتمِ

سقى الله أيام التَّداني فإنَّها

ألذُ من التَّهويم في جفن حالمِ

أقمتم بها سوقَ الصبابة مثلما

أقيمت بنجم الدين سوق المكارمِ

هوَ الملك لو يستطيع فعلاً لقبَّلت

يديه ثغورُ المكرمات البواسمِ

إذا قال لم يحتج لسحبان وائلٍ

وإن جادَ أنسى طيئاً ذكرَ حاتمِ

وإمَّا انبرى جدبٌ وجادت بنائه

نظرتَ إلى جيثي هزيمٍ وهازمِ

أقامتْ عطايا كفّهِ كل قاعدٍ

أخو سطواتٍ أقعدتْ كل قائمِ

لقد أضحكتْ وحشَ الفلا من عداتهِ

ولكنها أبكت جفونَ الصوارمِ

سيوفٌ تطير الهام عن وكناتها

بحيث جناح النقع وجفُ القوائمِ

فأقسم لو تعطو السماء ظباتها

نثرنَ نجوم الليل نثرَ الدراهِم

سماهمُ والبيدُ منهم أواهلٌ

يعلّمهم فيها بكاءَ المعالمِ

سطورُ جيادٍ أطلق البيض شكلها

وما ذاك إلَّا بعد نقط اللهاذمِ

وكم حاز ذاك اليوم من ذي بسالةٍ

فأنساهً ركض الشهب مشي الأداهمِ

فتىً يقنص الآساد وهي كواسرٌ

تبارى بعقبان البنود الحوائمِ

فليس سواهُ للرؤوس باثرٍ

وليس سواهُ للقوب بناظمِ

كأنَّ الضُّحى سرٌّ غداة لقائهِ

من الهبوات السُّود في صدر كاتمِ

يردُّ شعاعَ الشمس عنهُ قتامهُ

سقيماً حشاياهُ ظهورُ القشاعمِ

فلم يسرِ إلاَّ في ليالي عجاجهُ

ولا سار إلاَّ في صباح العزائمِ

وما سمرهُ إلاَّ الأراقم في الوغى

ولا زنفهُ إلاَّ جلود الأراقمِ

تجوهرَ بالملكِ المؤيد منطقي

وما نفعُ سيفٍ لم يؤَّيد بقائمِ

لذيذ صفاتٍ أكسد المسكَ نشرها

فلولاهُ ما اسودَّت قلوبُ اللطائمِ

من القوم نادوا بالنَّدى في مهودهم

وتمُّوا كمالاً قبل شدِّ التمائمِ

وذادوا عن الإسلام زرقّ عدائه

بسمر العوالي والعتاق الصلادمِ

فبؤساهمُ في الحرب موتُ محاربٍ

وفي السلم نعماهم حياة المسالمِ

وكم دينٍ جودٍ ما سواهم بشارعٍ

وداء نفاقٍ ما سواهم بحاسمِ

أقاضوا على الآفاق أنوار عدلهم

فجلَّت عن الدنيا ظلامَ المظالمِ

إذا بقيت للناس أيام ملكهم

فأهونْ بأيام الصبا المتقادمِ

أعاد بساط الأرض بسطُ أكفُّهم

وإطلاقها كالخضرم المتلاطمِ

فما قبضت إلاَّ نفوس عداهمُ

ولا أمسكت غير الظبي والشكائمِ

رجعتُ إلى الأوطان كاسمك بعدما

شقيتُ بخصمٍ من زماني وحاكمِ

فكم نعمةٍ للأعوجيَّة حمدها

وكم منَّةٍ مشكورةٍ للمناسمِ

ألذَّ من الأحباب في قلب عاشقٍ

وأحلى من الأوطان في عين قادمِ

أعدتَ دجى الدنيا ضحىً بعدما سرى

به الصبحُ في جنحٍ كنقعك فاحمِ

لك الفضل يا ابن الغيث في كلِّ بلدةٍ

ولا تنكر البطحاء فضل الغمائمِ

رماحك عن مجد الحجاز حواجزٌ

وما هي إلاَّ عصمةٌ للعواصمِ

وكم تحت أفق الغرب من أنت شمسهُ

وبالشام من طرفٍ كبرقكِ شائمِ

لوجهك وجهُ الأرض بعد قطوبهِ

طليقٌ وطرف العدل ليس بنائمِ

ولولاك كان الملك منخفض السَّنا

قصير مجال اللحظِ واهي الدعائمِ

وهذا أخي أفضى إليك انتجاعهُ

ورؤياكَ عندي من أجلِّ الغنائمِ

فإن حضر النعمى فلست بغائبٍ

وإن وجد الحسنى فلست بعادمِ

فيا ربَّ مقصور عليك ثناؤهُ

وممدود كفٍّ ما أبيحت لحازمِ

ومنتصبٍ يوليك رفع دعائهِ

يبيت بخفضٍ لا يراع بجازمِ

لقد غادرت نعماك عندي صبابةً

يضيق بها ذرعُ االحشى الحيازمِ

فجدْ لي بأبكار المعالي وغيدها

فلستُ إلى غير المعالي بهائمِ

فكم لي من عيدٍ أعدت بهِ الغنى

وشيكاً وعام في نوالكِ عائمِ

كفلتَ به ردّ الشباب وعصره

وجئتَ مجيءَ العارضِ المتراكمِ

فلا زلت للأيَّامِ حسناً وبهجةً

فما أنت إلاَّ موسمٌ للمواسمِ

إذا ما خلت منك البلاد وأهلها

فمن يرتجى فيها لدفع العظائمِ