تلثم بالعقيق على اللآلي

تلثّمَ بالعقيقِ على اللآلي

فغشّى الفجرَ من شفَقِ الجمالِ

وقنّعَ بالدُجى شمسَ المُحيّا

فبرقَعَ بالضُحى ليلَ القَذالِ

وهزّ قَوامَهُ فثَنى قضيباً

إليهِ تنقّلتْ دولُ العوالي

ودبّ عِذارُهُ فسعتْ إلينا

أفاعي الموتِ في صُوَر النِّمالِ

بَدا فتقطّعتْ مُهَجُ الغواني

وخاضَتْ فيه أحداقُ الرجالِ

وخُتِّمَ بالعقيقِ فزان عندي

بمعصَمِ وعدِه حَليَ المِطالِ

لقد جرَحَتْ نواظِرُه فؤادي

فما لَك يا صَوارمَها وما لي

عمِلْتِ الجزْمَ بي وخفضْتِ منّي

محلّ النّصبِ ثمّ رفَعْتِ حالي

بروحي منه شخصاً جُؤذَريّاً

يَصيدُ الأُسْدَ في فعلِ الغَزالِ

تَزاوَر عن خِباهُ فثمَّ شمسٌ

تبلّجَ حولَها فجرُ النِّصالِ

وخُذْ عن وجنتَيْهِ فثمَّ وردٌ

حَماهُ الهُدْبُ من شوكِ النِّبالِ

إلامَ أُلامُ فيه ولا أُحاشي

ويرقُبُني الحِمامُ ولا أُبالي

أورّي عنْ هواهُ بحبِّ ليلى

وفيه تغزُّلي وبهِ اِشتغالي

وليلٍ كالبنفسجِ باتَ فيهِ

ينشّقُني رَياحينَ الوِصالِ

دخلْتُ عليه والظُلُماتُ تُرخي

ذَوائِبَها على صَلْتِ الهِلالِ

فقدّم لي العَقيقَ قِرىً لعَيني

وقرّطَ سَمعي الدُرَرَ الغَوالي

وبات ضجيعهُ الضرغامُ منّي

ومنهُ مُضاجعي ريمُ الحِجالِ

وقام لديهِ من وَرَعي وعيظٌ

يعرّفُني الحَرامَ من الحَلالِ

إذا اِمتدّتْ إليه يَمينُ نَفسي

ثنَيْتُ عنانَها بيَدي الشِّمالِ

وإنّي فتىً أميلُ بلحْظِ طَرْفي

لمَنْ أهوى ويُغْضي عنهُ بالي

وإنْ قامتْ إلى الفَحْشاءِ يوماً

بي الشّهواتُ تُقعِدُني خِصالي

أحبُّ الكِذْبَ في التشبيهِ هَزْلاً

وأهوى الصِّدقَ في جِدِّ المَقالِ

فلي وَعْظٌ أشدُّ من الرّواسي

ولي غزَلٌ أرقُّ من الشَّمالِ

أنا الهادي إذا الشُعراءُ هامُوا

بوادي الشِّعرِ في ليلِ الضّلالِ

مُجَلّي السابقين إلى المَعاني

وفارسُ بحثِها يومَ الجِدالِ

تدلُّ لدى النّشيدِ بناتُ فِكري

على أذُني وتُنسيني فِعالي

ويشهدُ لي بدعْوى الفضلِ قُربي

لدى برَكاتِ نقّادِ المعاني

تملّكَني هواهُ فزِدْتُ فضلاً

وفضلُ العبدِ من شرَفِ المَوالي

جمالُ الفضلِ مركزُ نيّرَيْهِ

كمالُ بُدورِ أبناءِ الكَمالِ

رفيعُ عُلاً إلى هامِ الثُريّا

رَقي بسلالِم الهِمَمِ العَوالي

موقّى العِرضِ في سَنَنِ السّجايا

مُبيدُ المالِ في سَبْقِ النّوالِ

شُجاعٌ فيه تتّسعُ المنايا

إذا ما كرّ في ضيقِ المجالِ

إذا بدُجى القَتامِ بَدا بدِرْعٍ

أرانا الشمسَ في ثوبِ الهِلالِ

هو العدلُ الّذي بالوَصْفِ يعنو

له العلَمُ المعرَّفُ بالجَلالِ

فكمْ لعِداهُ فيه منَ الصّياصي

بُروجٌ من كَواكبِها خوالِ

غَوامضُ فِكرِه تَحكي الدَّراري

وطيبُ ثَناهُ يَرخُصُ بالغوالي

يرى الدُنيا وإنْ عظُمَتْ وجلّت

لديه أقلَّ من شِسْعِ النِّعالِ

به اِنطلقَ السّماحُ وكان رَهْناً

وأضحى البُخْلُ مَشدودَ العِقالِ

تَزينُ به عواطِلها القوافي

كما تتزيّنُ البيضُ الحوالي

فلوْ مسّ الصّخورَ الصُّمَّ يوماً

لفجَّرَهُنَّ بالعَذْبِ الزُلالِ

كَميٌّ لا تُقاتِلُهُ الأعادي

بأمضى من سُيوفِ الإبتهالِ

إذا رَويَتْ صَوارِمُهُ نَجيعاً

ورَتْ بحُدودِها نارَ الوَبالِ

كأنّ دَمَ القُرونِ لها سَليطٌ

وحُمرَ شِفارِها شُعَلُ الذُبالِ

منَ القومِ الّذين سَمَوْا وسادوا

على العَرَبِ الأواخِرِ والأوالي

مُلوكٌ كالملائكِ في التّلاقي

عَفاريتٌ جِيادُهُمُ السّعالي

أثيلُ المجدِ منصورٌ عليهمْ

وصارَ العزُّ مَمدودَ الظِلالِ

تبيّن لي الحِجى والجودُ فيه

ونورُ المجدِ من قبلِ الفِصالِ

غَنيتُ عن الكِرامِ به جميعاً

وصُنْتُ الوجهَ عن بذْلِ السّؤالِ

أأسْتَسقي السّحائِبَ نازِحاتٍ

وهذا البحرُ معترِضاً حِيالي

وألقَيْتُ السِلاحَ وما اِحتِياجي

وفيه تدرُّعي وبه اِعتِقالي

ألا يا أيُّها البطَلُ المُرَجّى

لدَفعِ كتائِبِ النوَبِ العُضالِ

ويا سَيفَ المَنونِ وساعِدَيْها

وباري قَوسِها يومَ النِّضالِ

ويا قمَر الزّمانِ ولا أُكَنّي

وشمسَ ضُحى المُلوكِ ولا أغالي

لقد غُبِطَ العُلا بخِتانِ شِبلٍ

أبوهُ أنت يا ليثَ النِّزالِ

شَقيقُ الرُشْدِ تَسمِيةً وفألاً

سَليلُ المجدِ خيرُ أبٍ وآلِ

نشا فنَشا لنا منه سُرورٌ

يكادُ يهزُّ أعطافَ الجِبالِ

وحَمْحَمَتِ الجِيادُ مهلِّلاتٍ

وصالَ مكَبِّراً يومَ القِتالِ

وقرّتْ أعيُنُ البيضِ المواضي

ومِسْنَ معاطِفُ السُّمرِ الطِوالِ

هو الولَدُ الّذي بأبيهِ نالَتْ

خُلودَ الأمْنِ أفئِدَةُ الرّجالِ

فدامَ ودُمْتَ ما اِكتَسَبَتْ ضِياءً

نُجومُ الليلِ من شمسِ النّوالِ

ولا زالَتْ لك الأيّامُ تَدعو

ولا بَرِحَتْ تُهنّيكَ اللّيالي