برغمي أن غاض الندى بكماله

برغميَ أن غاض الندى بكماله

فلم يبق إلا زورة من خياله

وإلا دموع من جفون كأنها

تردّ على مثواه فيض نواله

أسفت لبدرٍ بانَ عنه محمد

فبان بمعني حسنه وجماله

وولى كما ولى السحاب مودّعاً

وفي كلّ روضٍ نفحة من سجاله

وزال وقد أبقى جواهر بحره

ومات وقد أحيى مناقبَ آله

ألا في سبيل الله مصرع ماجد

تزيلت العلياء مثل زواله

فقدناه فيّاض المكارم واللهى

يشفّ ضياء المجد بين خلاله

لئن قصرت أيدي المطالب بعده

لعهدي بها موصولة بحباله

لئن بسطت أيدي الحوادث بعده

لعهدي بها مغلولة بنكاله

بروحيَ وضاح الصفات كأنما

طبعن دراري الحسن بعد خصاله

أما والذي أنشا أياديه والحيا

لقد فقد الظمآن صفو زلاله

وقد زال من أفق الأثير عن الورَى

سنا كوكبٍ تسهو السها لمناله

فمن للعلى يهدي سبيل رشادها

ومن للرجا يمحو ظلام ضلاله

ومن ليراعٍ قد أفاض مداده

وجرّ من الأطراس ذيل خياله

ومن لخطوطٍ غاب بدر كمالها

فهلاّ فداه الخط بابن هلاله

ومن لمعانٍ في المهارق تجتلى

بحلي وجوه الخود بين حجاله

إلى الله أشكو يوم فقدك أنه

رمى كلّ عقل ناشطٍ بعقاله

وقوّس من ثقل الرزية أظهراً

فلا غَرْوَ أن أصمى الحشا بنباله

بكاك فقير رافع لك قصة

نصبت على التمييز كسرة حاله

وممتدح لهفان يسألك الغنى

أجزت معاني مدحه بسؤاله

ومطّلب كانَ ارتحالك قبله

فعطلت الأيام شدّ رحاله

وعصر حلا جملت مرآه برهةً

وخلّفته ينعي أتمّ رجاله

كأنك لم تنهض بأعباء دولة

تكلف سعي الدهر فوق احتماله

كأنك لم تحمل يراعاً تمرها

وتعضدها في سلمه وصياله

ومن عجب مقدار فرع يراعة

وقد وسع الدنيا بفيء نواله

كأنك لم تبسط بنان مؤملٍ

يمين غوادي المزن دون شماله

وما هي إلا همة لك أنفذت

وصاة رسول الله عند بلاله

فأنفقت ما أحرزت بالبذل ذخره

وما ذخر مال المرء غير ابتذاله

عزاء العلى عن راحل بيد الردى

وكلّ مقيم مؤذن بارتحاله

وما الدهر إلا خيط فجر وليله

يجران من شخص الفتى بانتقاله

وإني وإن أحسنت سلوة فاقدٍ

لمضمر شجوٍ مثخن بنصاله

أينفد عني الحزن بعد محمد

وما استنفذت كفي نوافل ماله

أانسى له في كلّ جدب غمائماً

تحثّ على رغم الحيا ومطاله

أأنسى له في كلّ درج قلائداً

منظمة من رفده ومقاله

سأبكيه ما لاح الظلام بظلمه

وأبكيه ما ناح الحمام بضاله

وما أنا إلا بالجميل مطوق

أولى أسى لا كنت إن لم أواله

صدحت له بالمدح عند لقائه

وهذا أوان النوح عند زواله