حليف سهاد ليله كنهاره

حليفُ سُهادٍ ليلُهُ كنهارِهِ

يبيتُ شِعارُ الهمِّ دونَ شعارهِ

أصابتْهُ من رَيْب الزمان مُصيبةٌ

كَؤودٌ لها ما بعدها من حذاره

رَزيّةُ خال كان للدهرِ جُنَّةً

إذا الدهر أنحَى مُرْهفات شِفاره

وكان إذا عُدَّ الخُؤول فَعُدِّدَتْ

مَساعيه لم تغْض الجُفون لعاره

ألا مات من مات الوفاء بموته

فأعوزَ من يوفي بذمة جاره

ألا مات من مات السماح بموته

وكل عطاء نقدُهُ كضِماره

فأي قِرىً تَقرِي الليالي ضيوفَها

وقد عَطلت ما عَطَّلتْ من عِشاره

فتىً كان يَهدي الجودُ قصدَ سبيلِه

وحاشاه من أسراره وبِداره

فتى كان لا يطوي على الغدر كَشْحَه

ولا تسأمُ الأيامُ يومَ فَخاره

فتى كان كالعذراء في ظل خدرها

وكالأسد الرئبال في ظل داره

مضى قد تناهَى سُؤْدداً غير أنه

مضى نَصَفاً قد لاح شَيْب عذاره

خبا قمرُ الدنيا لحين اتساقه

فيا أسَفاً هلا لحين سِراره

علاه كسوفُ البدر عند تمامه

مُلِحٌّ به حتى هوى في مغَاره

رُزِئناه يومَ الأربِعاء ولم تزل

فَواقرُ هذا الدهر يوم دبَاره

بنفسيَ من لم تُقْض بعضُ حقوقِه

ولم تفْنَ أيدينا بطول اعتواره

بنفسيَ من لم يؤذِنا بأنينه

ولم يؤذ جارَيْ بيتِه بجواره

حبيبٌ دَعاه مُستزيراً حبيبُهُ

فخفَّ له مستبشراً بمزاره

وقصَّر شكواه فكانت كأنها

طريقٌ أراهُ كيفَ وجْهُ اختصاره

ولم تَطُل البلوى عليه لعلمه

بتسليمه فيما مضى واصطباره

تبلج عند الموت وابيضّ وجهُهُ

تبلُجَ ضوء الفجر عند انفجاره

فشكَّكَنا في موته غير أنه

أبان لنا في طرفه وانكساره

فلو كان يدري قبرُهُ من يحِلُّهُ

تفرَّجَ بالترحيب قبل احتفاره

أعِلّانُ علَّتْكَ الروائحُ صَوْبَها

وأنْهلَكَ الغادي رَوِيَّ قطارِهِ

بحسبك بل حسب المريديَ بالرّدى

جوى حَزَنٍ يَصلى فؤداي بناره

على أنه لا حسْبَ لي بعدما أتتْ

عليه الليالي من مَزيد المكاره

فلا يُبْقِ مكروهٌ عليَّ فإنني

لكلّ كريهٍ نالني غير كاره

أعِلّان مَنْ أغشَى ليؤنس وَحدتي

ويدْحَر عني الهم عند احتضاره

أعلّانُ من يُصْغي لسمع شَكيَّتي

وأصْغي إلى مردوده وحواره

أعِلّانُ من أفشِي إليه سريرتي

فآمنَ من إدلاله واغتراره

ومن ذا يُحامي عن ذِماريَ غائباً

أشدَّ محاماةِ امرئٍ عن ذِماره

ومن ذا تظلُّ النفسُ عند مغيبه

معلَّقَةً آمالُهما بانتظاره

نهاري لدْن فارقتني لك موحِشٌ

وليلي فقيدُ النوم حتى انحساره

عليَّ خشوع ظاهر واستكانةٌ

كأني أسير كانع في إساره

أيسكن مسلوبٌ سكينةَ ليله

ويأنس مفجوع بأنس نَهاره

يُقاسي زفيراً دائباً في صعوده

يُراح ودمعاً دائباً في انحداره

ألا تَعِسَ الدهرُ المُفرِّق بيننا

وإن كان كلٌّ عاثراً بعِثاره

ألحَّ علينا مولَعاً بسَراتنا

كما أولع الجاني بخير ثِماره

أرى الدهرَ لا يأوي لعوْلة مُعْوِلٍ

ولا يَرعوي للصوت عند انشماره

يصول فلا يرثي لثُكل كبيرةٍ

ولا يُتْم طفل يا لَسُوء اقتداره

ألا بؤس لِلأَم التي هُدَّ رُكنُها

بواحدها المُخْلي عِراصَ دِياره

ويا بؤس لِلأخْت الشقية بعده

من الحَزَنِ الباقي وطول استعاره

ويا بؤس للطفل الصغير وشادنٍ

تعجَّلَ بؤس اليُتْم قبل اتِّغاره

محمدُكُمْ قد بَتَّ ريحانَ صدره

ونازعه في الليل فضل إزاره

أبا قاسمٍ كم قد هفا لك لبُّهُ

على فضلة من حلمه ووقاره

فظل يناغيك الكلام بمنطقٍ

رقيق الحواشي زانه بافتراره

سقى الغيثُ ميتاً خُطَّ بالدَيْر قبرُهُ

فواراهُ إلا سُؤدداً لم يواره

بأقرب دارٍ لا أرى الدهرَ وجهَهُ

فيا بُعدَ مرآه ويا قُرْبَ داره

عَداهُ البِلى أن يستجيب لدعوتي

وقد يُنجَدُ الملهوفُ عند اضطراره

وكنت إذا استنجدتُهُ فدعوتُهُ

دعوتُ نصيراً نصرُهُ كانتصاره

فوالله لا أنساهُ حتى أرى لهُ

شبيهاً على أسبابه ونجاره

ولو أنني أيضاً رأيتُ شبيهَهُ

لما كان إلا مُغرياً بادِّكاره

فلو كان هذا الموت قِرناً أطيقهُ

لما فاتني أخرى الليالي بثاره

ولو قبِلتْ مني الليالي فداءهُ

لفَاديتُها من تالدي بخياره

فأنَّى تُفاديني المنايا بمثله

وكَيْسُ المنايا كيسُها في اختياره

ألا ليتَما كنَّا كغادٍ ورائحٍ

وكان رواحي لاحقاً بابتكاره

عليك سلام اللَه حيّاً وميّتاً

تباشرتِ الموتى بقرب جواره

أبى ليَ أن أسْلاك ما دمتُ باقياً

حُلُولُكَ من قلبي مكينَ قراره