البحر قد أبدى سنا نضرته

الْبَحْرُ قَدْ أَبْدَى سَنَا نَضْرَتِهِ
فَقَامَتِ الأَعْيُنُ فِي بَهْجَتِهِ
قَدْ خلَعَ الْحُسْنُ عليْهِ حُلىً
وَانْتَظَمَ الإِبْداعُ في لَبَّتِهِ
كَأَنَّهُ وَالشَّمْسُ قَدْ أَوْدَعَتْ
شُعَاعَهَا الأنْضَرَ فِي لُجَّتِهِ
مَطَارِفُ الْعِقْيَانِ قَدْ طُرِّزَتْ
بِاللاَّزْوَرْد ِ الغَضِّ فِي زُرْقَتِهِ
ذَكَّرَنِي عَهْداً لَنَا قَدْ مَضَى
بِأَرْضِ تِطْوَانَ عَلَى ضِفَّتِهِ
فِي جَنَّةٍ أَرْبَتْ عَلَى جِلِّقٍ
عَلَّمَهَا الْحُسْنُ بِأَلْوِيَتِهِ
مَا شِئْتَ مِنْ نَوْرٍ كَدُرٍّ علَى
زَبَرْجَدٍ يَسْبِي سَنَا خُضْرتِهِ
وَمِنْ غُصُونٍ قَدْ سَقاها الْحَيَا
فَعَرْبَدَتْ بِالرَّقْصِ مِنْ خَمْرَتِهِ
دَبَّجَها النُّوَّارُ منْ أصْفَرٍ
يحْكِي النُّضَارَالغَضَّ في كُهْبَتِهِ
وَأَحْمَرٍ يُشْبِهُ خَدَّ الذِي
أَنْحَلَنِي شَوْقِي إِلَى رُؤْيَتِهِ
حَيْثُ الْمُنَى تُطْلِعُهُ قَمَراً
تَنْأَى دُجى الأَحْزَانِ مِنْ طُرَّتِهِ
لَمْ يَعْرُهُهَجْرٌ يَهِيجُ الْجَوَى
وَيَعْطِفُ الْقَلْبَ عَلى حُرْقَتِهِ
إِلاَّ نِفَاراً هُوَ فِي طَبْعِهِ
إِنَّ نِفَارَ الظَّبْيِ منْ خِلْقَتِهِ
يَنْفُِرُ تِيهاً ثُمَّ يَثْنِيهِ مَا
يُبْصِرُ من وَجْدِي علَى نَفْرَتِهِ
فَقُلتُ إِذْ أَبْصَرْتُهُ تَائِهاً
كُنْ راضِياً حِبِّي عَلَيَّ وَتِهِ
وَلاَ تُعَذِّبْنِي بِنَارِ الْجَفَا
يَا مَنْ حَيَاةُ الصَّبِّ فِي قَبْضَتِهِ
فَافْتَرَّ أَيْنَ الدُّرُّ منْ ثَغْرِهِ
وَأَيْنَ نَشْرُ الْمِسْكِ منْ نَكْهَتِهِ
وَأَيْنَ بَدْرُ التَّمِّ من وَجْهِهِ
وَأيْنَ لَمْعُ الْبَرْقِ منْ غُرَّتِهِ
وَاهْتَزَّ عُجْباً بِخُضُوعِي لَهُ
وَأَيْنَ غُصْنُ البَانِ منْ هَزَّتِهِ
أَيُّ هِلاَلٍ فِي قَضِيبِ النَّقَا
أَضَاءَهُ الدَّيْجُورُ مِنْ لَمَّتِهِ
عَانَقْتُ مِنْ قَامَتِهِ غُصُناً
كَمَا قَطَفْتُ الْوَرْدَ مِنْ وَجْنَتِهِ
لَمْ أَصْحُ مِنْ سُكْرِي بِتَعْنِيقِهِ
إِلاَّ بِتَقْطِيعِي عَلَى فُرْقَتِهِ
أَيُّ زَمانٍ قَدْ مَضَى مُسْرِعاً
يَاحَرَّ أنْفَاسِي عَلَى سُرْعَتِهِ
لَمْ أَنْتَبِهْ مِنْ نَوْمِ لَذَّتِهِ
إِلاَّ بِأَشْوَاقِي إِلَى أَوْبَتِهِ
يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْمُنَى رُبَّمَا
تُسَاعِدُ الْمُشْتَاقَ فِي بُغْيَتِهِ
هَلْ يَدْنُوَنَّ الْغَرْبُ بَعْدَ النَّوَى
فَأَقْطِفُ الآمَالَ مِنْ ضَيْعَتِهِ
وَهَلْ أَرَى تِلْكَ الْبُدُورَ التِي
تُزْرِي بِبَدْرِ الأُفْقِ فِي طَلْعَتِهِ
أَجَلْ فَجَمْعِي بِهِمُ عَاجِلاً
سَهْلٌ عَلَى الرَّحْمَانِ فِي قُدْرَتِهِ
مَا أَقْدَرَ اللهَ عَلَى رَدِّ مَنْ
نَدَّ بِهِ الْبَيْنُ إِلَى فِئَتِهِ
فَيَا نَسِيماً مِنْ حِمَاهُمْ سَرَى
شَمِمْتُ عَرْفَ الْمِسْكِ مِنْ هَبَّتِهِ
كَيْفَ الرُّبَى وَالْمُنْحَنَى وَالنَّقَا
وَالنَّهْرُ وَالرَّوْضُ عَلَى ضِفَّتِهِ
عَهْدِي بِهَا مَرْتَعُ كُلِّ رَشَا
لاَ رَاعَهَا الدهُْر بِتَنْحِيَتِهِ
وَكيْفَ أَحْبَابِي وَهَلْ عَلِمُوا
شَوْقِي الذِي أُوبِقْتُ فِي أَزْمَتِهِ
نَكَّبَنِي الدَّهْرُ بِبَيْنِهِمُ
أَشْكُو إلَى الرحْمانِ من نَكْبَتِهِ
أمْسَيْتُ صَبّاً بِالْجَزَائِرِ لاَ
أَعْدَمُ شَجْواً ذُبْتُ رمن حَسْرَتِهِ
لَوْلاَ ابْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُرْتَضَى
قَضَى فُؤَادِي مِنْ لَظَى لَوْعَتِهِ
جَعَلْتُهُ قَصْدِي وَنِعْمَ الذِي
يَقْصِدُهُ الإِنْسَانُ فِي غُرْبَتِهِ
الْعَالِمُ النِّحْرِيرُ مَنْ دَأْبُهُ
أَنْ يُنْقِذَ الْمَلْهُوفَ مِنْ كُرْبَتِهِ
وَأَنْ يُوَاسِي مَنْ بِهِ رَكَضَتْ
خَيْلُ النَّوَى أَوْ حَادَ عَنْ وِجْهَتِهِ
أَنَخْتُ آمَالِي بِهِ فَانْثَنَتْ
عَاطِرَةَ الأَنْفَاسِ من نَفْحَتِهِ
إنْ تَسْأَلِ الأَحْبَابَ عَنْ نُزُلِي
فَهَا أَنَا أَنْعَمُ فِي جَنَّتِهِ
أَقْطِفُ أَنْوَارَ الْمُنَى غَضَّةً
تَحْتَ ظِلاَلِ الْعِلْمِ فِي حَضْرَتِهِ
أَثْقَلَنِي بِالْبِرِّ حَتَّى لَقَدْ
أَعْجِزُ أَنْ أَنْفَكَّ مِنْ حَوْزَتِهِ
مَا شَانَهُ عَيْبٌ سِوَى أَنَّهُ
يُغْضِي عَلَى مِثْلِي فِي هَفْوَتِهِ
وَيُسْعِفُ الطَّالِبَ فِي قَصْدِهِ
وَيُسْعِدُ الرَّاغِبَ فِي رَغْبَتِهِ
نُزْهَتُهُ فِي الْعِلْمِ يَدْرُسُهُ
لاَ عَاقَهُ الْمِقْدَارُ عَنْ نُزْهَتِهِ
أَفَادَنَا عِلْمَ الْفَرَائِضِ فِي
أَدْنَى مَدىً أَرْقَلَ فِي مِشْيَتِهِ
مِنْ دَرْسِهِ النَّظْمُ الذِي صَاغَهُ
نَجْلُ التِّلِمْسَانِي فِي صَنْعَتِهِ
نَظْمٌ عُقُودُ الدُِّّر لَمْ تَحْكِهِ
أَبْدَعُ مَا أُلِّفَ فِي صِفَتِهِ
أَحْصَى أُصُولَ الْفَنِّ مُحْكَمَةً
وَحَاكَهَا طُرًّا عَلَى نَزْوَتِهِ
نَاهِيكَ مِنْ نَظْمٍ وَمِنْ نَاظِمٍ
وَمِنْ مُبِينٍ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ
بَيْنَ مَا أَشْكَلَ مِنْ لَفْظَهِ
وَحَلَّ مَا اسْتَصْعَبَ مِنْ عُرْوَتِهِ
مَا ذَا يَقُولُ الْمَرْءُ فِي مَدْحِهِ
وَقَدْ تَنَاهَى الدَّهْرُ فِي خِدْمَتِهِ
وَالشَّمْسُ أَوْلَتْهُ أَشِعَّتَهَا
وَالْبَدْرُ حَلاَّهُ بِتَحْلِيَتِهِ
خَيَّمَ الْمَجْدُ بِسَاحَتِهِ
وَفَاضَ بَحْرُ الْجُودِ فِي بُرْدَتِهِ
بَدْرُ الْهُدَى وَالْعِلْمِ يَا مَنْ غَدَتْ
تَسْجُدُ أَمْدَاحِي إِلَى قِبْلَتِهِ
خُذْهَا عَلَى رَغْمِ الْعِدَى غَادَةً
لَفَّعَهَا الصِّدْقُ بِأَقْبِيَتِهِ
خَوْدٌ زَهَتْ إِذْ بَشَّرَتْ بِكُمُ
وَلَفَّهَا الْمَجْدُ بِأَرْدِيَتِهِ
كَمْ رَامَهَا قَبْلَكَ ذًو هِمَّةٍ
فَلَمْ تُصِخْ سَمْعاً إِلَى خُطْبَتِهِ
بِنْتُ ابْنِ زَاكُورٍ فَمَنْشَأُهُ
فُاسٌ وَأَهْلُ الْفَضْلِ مِنْ أُسْرَتِهِ
صَدَاقُهَا الْغَالِي قَبُولُكُهَا
مِنْهُ فَمَا أَغْلاَهُ فِي نِيَّتِهِ
فَاسْمَحْ لَهُ وَاقْبَلْ هَدِيَّتَهُ
وَعَفِّ بِالصَّفْحَ عَلَى زَلَّتِهِ
لاَ زِلْتَ ذَا حَالٍ تَسُوءُ الْعِدَى
مَا حَنَّ ذُو بُعْدٍ إِلَى تُرْبَتِهِ
وَاللهُ يُبْقِيكَ إِمامَ هُدىً
مَا غَرَّدَ القُمْرِي علَى دَوْحَتِهِ
- Advertisement -