حاشاك من نار على الأحشاء

حاشاكَ مِن نارٍ عَلى الأَحشاءِ

يَزدادُ ضِعفاً حَرُّها بِالماءِ

عَزَّيتَني في ما تَرى وَعَزَوتَني

لِلصّابِرينَ وَلاتَ حينَ عَزاءِ

مَن لي بِأَجرِ الصابِرينَ وَأَعظُمي

مَوهونَةٌ مِن أَعظمِ الأَرزاءِ

هَلّا بَكَيتَ عَلى الهِلالِ وَلَم تَقُل

صَبراً عَلى اِبنِ البَدرِ وَاِبنِ ذكاءِ

الأَرضُ تَضحَكُ لِلسّماءِ إِذا بَكَت

وَأَراهُما بَكيا مَعاً لبُكائي

فَاِنظُر إِلى دارِ البلى كَيفَ اِلتَقى

غيثانُ مِن أَرضٍ بِها وَسَماءِ

وَكَفَ الحَيا وَكَفى البُكا لَو أنّهُ

أَجرى مَدامِعنا بِغَيرِ دِماءِ

لَولا مُصاب الدَمعِ يَومَ مُصابه

ذابَت صُخورُ الحَزنِ وَالبَطحاءِ

هَل مُستَطيع أَن يُكفكف دَمعه

مَن لا بَراحَ لَهُ عَن البُرحاءِ

أَودى الَّذي في وَجهِهِ وَيَمينِهِ

ماءانِ ماءُ حَباً وَماء حَياءِ

أَودَت بِهِ الأَيّامُ فَأَثّأر العدى

وَكَم اِثَّأرتُ بِهِ مِنَ الأَعداءِ

كانَ الحُسامَ فَما مَضى حَتّى مَضى

وَشَجا مُضِيٌّ مِنهُ بَعدَ مَضاءِ

غَنِيَ الزَمانُ بِهِ وَغَنّى بِاِسمِهِ

فَزَهاهُ طيبُ غِنىً وَطيبُ غناءِ

لَو كانَ كُلُّ اِبن نَجيباً مِثلُهُ

مَنَعَ الإِباءُ بُكاً عَلى الأَبناءِ

إِنَّ الكِرامَ الغُرَّ مَهما أَنجبوا

شادوا بِناءَ المَجدِ بِالأَبناءِ

تَسعى الرِجالُ فَلا تَنالُ بِحِرصِها

ما نالَ في تِسعٍ مِنَ العَلياءِ

فَلَوِ اِنتَهى العِشرينَ سمّتهُ العُلا

عَلمَ العُلوم وَكافِيَ الأَكفاءِ

فَخُرَت بِهِ الأَحياءُ ثُمَّ إِذ اِنقَضى

فَخُرَت بِهِ المَوتى عَلى الأَحياءِ

لَهَفي عَلى ريحانَةٍ راحَت إِلى

مَثوى ثَوابٍ لَيتَ فيهِ ثوائي

سالَت حشاشَةُ نَفسِهِ مِن أَنفِهِ

فَشَهِدتُ مِنهُ مَصرَعَ الشُهَداءِ

وَنَظَرتُ في قطعِ الرُعافِ فَلَم تَمط

حُكمَ المَنِيَّةِ حيلَةُ الحُكَماءِ

وَإِذا أَرادَ اللَهُ ميتَةُ مُدنفٍ

أَخفى عَلى الآسي دَواء الداءِ

داواهُ مَن أَدواهُ حَتّى قالَ لي

لا تَأتِني مِن ذا الرَدى بِدَواءِ

لا أَشتَكي إِنّي حُرِمتُ إِجابَةً

لَولا شعوبُ لَدَعَّ عَنهُ دُعائي

وَالخَيرُ في ما اِختارَ خالِقه فَقَد

آلَت بِهِ الضَرّاء لِلسَّرّاءِ

وَلَقَد يسرُّ اللَهُ بِالبأساء في

أَحكامِهِ وَيَضُرُّ بِالنَعماءِ

عَرَضَت لَهُ تُفّاحَةً نَفّاحَةً

بَعض الإماء فَرَدَّ بِالإيماءِ

وَلَو اِستَطاعَ القَولُ قالَ مُشافِهاً

تُفّاحُ جَنّاتِ الخُلودِ شِفائي

حَيّاكَ يا وَلَدي بِهِ رِضوانُ أُم

قبّلتهُ في وَجنَةِ الحَوراءِ

جُلِيَت عَروساً وَالقِراءَةُ نَقدُها

وَالحورُ قُرَّةُ أَعيُنِ القُرّاءِ

فُز مُطمَئِنَّ القَلب لا مُستَوفِزاً

طَلَّقت دارَ مَشَقَّةٍ وَشَقاءِ

لَم تَدنُ نَفسكَ لِلدَّناءَةِ في الصِبا

وَسِواكَ أَهوى النَفسَ بِالأَهواءِ

قُدِّستِ يا روحَ القَتيلِ بِلا يَدٍ

وَالأُسدُ فيهِ تَهيجُ لِلهَيجاءِ

فَإِذا تَأَلَّفَت الأُلوفُ لِرايهِ

أَنبى الصَوارِمَ أَصدَق الأَنباءِ

فَاِسمَع تَمَلمل مالِك مِن رُزئِهِ

وَاِنظُر وُقوفَ الغارَةِ الشَعواءِ

جازَت فَرامَحَها كَأَعزَلَ إِذ هَدا

هَدّارُها وَأَمامُها كَوراءِ

طالَت رِماحُهُمُ وَإِذ قَصرت هُنا

رَجَعوا لغضّ الطَرفِ وَالإِغضاءِ

سَخَطوا عَلى الدُنيا لِعظمِ مصابِهِ

فَرَضوا بِحُكمِ مُقدِّرِ الأَشياءِ

وَتَحَمَّلوا أَصر الأَسى فَتَجَمَّلوا

وَأَرى التَجَمُّلَ أَجمَلَ الآراءِ

يغنونَ عَن عَبدِ الغنيّ لوَ اِنَّهُم

يَجِدونَ أَنهَضَ مِنهُ بِالأَعباءِ

رِدءٌ أردّ بِهِ عِدايَ عَدِمتهُ

وَالحُرُّ يوهِنُهُ ردى الأَرداءِ

وَيلاهُ إِن كانَت وَفاةُ سُلالَتي

لِوَفاةِ كُلِّ حَفيظَةٍ وَوَفاءِ

تِسعينَ في المِقدارِ كانَت تِسعَةً

فَلَقَد أَقامَ بِها مَنارَ بهائي

ما خَطَّ مِذراعُ القَنا بيراعه

غَير العُشورِ وَلا خَطا لِخَطاءِ

يَتَنَفَّسُ الصُعَداء يَومَ خَميسِهِ

هَمّاً كَذلِكَ هِمَّةُ السُعَداءِ

وَكَأَنَّهُ يَومَ العُروبَةِ موثق

أَسراً وَيَوم السَبتِ يَوم فِداءِ

يَغدو لِمَسجِدِهِ فَيَعدو سابِقاً

كَالصُبحِ أَفلَتَ مِن يَدِ الظلماءِ

مُستَوضِحاً لِجَنينِهِ مُتَرَنِّماً

بِالذِكرِ قَبل تَرَنُّمِ الوَرقاءِ

بِاللَيلِ يَقرَأُ وَالنَهار كَأَنَّما

يَتَجَنَّب الإِعفاءَ لِلإِعفاءِ

وَيَكادُ يهدي لِلمُؤدّب نَفسه

مُستَجلِياً لِهُداهُ بِالإِهداءِ

عَبد الغَنيّ لَكَ المَسَرَّة غائِباً

وَلي المساءَةُ مُصبحي وَمَسائي

أَرجو مِنَ اللَهِ الجَزاءَ فَإِنَّني

وَالخِلب أَنتَ مُمَزَّقُ الأَجزاءِ

لَمّا أَتوا بِكَ حائِرينَ كَأَنَّما

يَمشونَ في ظُلمٍ لِدَفنِ ضياءِ

صَلّوا عَلَيكَ فَوفِّقوا إِلّا اِمرءاً

تَنحَلَّ مِنهُ حباً لِأَخذِ جناءِ

كُنتَ الرَجاءَ فَصِرتَ جارَ اللَهِ في

جَنّاتِهِ وَأَبوكَ في الأَرجاءِ

يا شافِعي مَن لي بِقُربِكَ شافِعاً

وَالحُسن وَالأَسواء غَير سَواءِ