يا رفيقي وأين أنت فقد

يا رفيقي وأَينَ أَنْتَ فَقَدْ

أَعْمَتْ جُفوني عواصِفُ الأَيَّامِ

ورمتْني بمَهْمَهٍ قاتِمٍ قفرٍ

تُغَشِّيهِ داجِياتُ الغَمامِ

خُذْ بكفِّي وغنِّني يا رفيقي

فسبيلُ الحَيَاةِ وَعْرٌ أَمامي

كلَّما سرتُ زلَّ بي فيهِ مَهْوَى

تَتَضاعى به وُحُوشُ الحِمَامِ

شَعَّبَتْهُ الدُّهُورُ وانطمسَ النُّورُ

وقامتْ بنا بَنَاتُ الظَّلامِ

راقِصاتٍ يخلُبْنَ في حَلَكِ اللَّيلِ

ويلعبْنَ بالقُلوبِ الدَّوامي

غنِّني فالغِناءُ يَدْرَأُ عنَّا السَّاحرَ

الجنَّ ساكنَ الآجامِ

قَدْ تَفَكَّرْتُ في الوُجُودِ فأَعياني

وأَدبرتُ آيساً لِظَلامي

أَنشُدُ الرَّاحَةَ البعيدَةَ لكنْ

خابَ ظنِّي وأَخطأَتْ أَحلامي

فمَعِي في جوانحي أَبدَ الدَّهرِ

فؤادٌ إلى الحقيقةِ ظامي

مَا تراخَى الزَّمانُ إلاَّ وأَلقى

في طَواياهُ قبضَةً مِنْ ضُرامِ

تَتَلَّظَى يدُ الحَيَاةِ وَزَادَتْ

مُعضلاتُ الدُّهُورِ والأَعوامِ

أَظمأَتْ مُهجَتي الحَيَاةُ فهل

يوماً تُبلُّ الحَيَاةُ بعضَ أَوامي

يا رفيقي مَا أحسبُ المنبعَ المنشودَ

إلاَّ وراءَ ليلِ الرِّجَامِ

غنِّني يا أُخَيَّ فالكوْنُ تَيْهَاءُ

بها قَدْ تمزَّقتْ أَقْدامي

غنِّني علَّني أُنيمُ همومي

إنَّني قَدْ مَلَلْتُ مِنْ تَهْيامي

يا رفيقي أَما تفكَّرْتَ في النَّاسِ

وما يحملونَ مِنْ آلامِ

فلقدْ حزَّ في فؤادي مَا

يَلْقَوْنَ من صَوْلَةِ الأَسى الظَّلاَّمِ

فإذا سرَّني من الفجرِ نورٌ

ساءَني مَا يُسِرُّ قلبُ الظَّلاَمِ

كمْ بقلبِ الظَّلامِ مِنْ أنَّةٍ

تهفو بغصَّاتِ صِبْيَةٍ أَيتامِ

وَنشيجٍ مُضرّمٍ من فتاةٍ

أَبْهَظَتْها قَوارِعُ الأَيَّامِ

ونُواحٍ يَفيضُ من قلبِ أُمٍّ

فُجِعَتْ في وحيدها البسَّامِ

فَطَمَ الموتُ طفلَها وهو نورٌ

في دُجاها من قبلِ عهدِ الفِطامِ

وأَنينٍ مِنْ مُعْدَمٍ ذي سَقامٍ

عضَّهُ الدَّهرُ بالخُطُوبِ الجِسامِ

مَا إخالُ النُّجُومَ إلاَّ دُموعاً

ذَرَفَتْها محاجِرُ الأَعوامِ

فَلَقَدْ ضرَّمَ الشُّجونَ بنوها

فإذا بالشُّجونِ سَيْلٌ طَامِ

وإذا بالحَيَاةِ في ملعَبِ الدَّهْرِ

تَدوسُ الرُّؤُوسَ بالأَقْدامِ

وإذا الكونُ فِلْذَةٌ مِنْ جحيمٍ

تَتَغَذَّى بكلِّ قلبٍ دَامِ

وهُمُ في جَحيمِهِمْ يَتَنَاغَوْنَ

بما في الوُجُودِ مِنْ أَنْغامِ

عجباً للنُّفوسِ وهيَ بَوَاكٍ

عجباً للقلوبِ وهيَ دَوَامِ

كيف تشدو وفي محاجرها الدَّمْعُ

وتلهو مَا بَيْنَ سُودِ المَوَامِي

يا رفيقي لقد ضَلَلْتُ طريقي

وتَخَطَّتْ مِحَجَّتي أَقدامي

خُذْ بكفِّي فإنَّني تائِهٌ أعمى

كثيرُ الضَّلالِ والأَوهامِ

وانْفُخِ النَّايَ فالحَيَاةُ ظَلامٌ

مَا لِمُرْتادِهِ من الهَوْلِ حَامِ

مِلءُ آفاقِهِ فَحيحُ الأَفاعي

وعَجيجُ الآثامِ والآلامِ

فانْفُخِ النَّايَ إنَّهُ هِبَةُ

الأَملاكِ للمستعيذِ بالإِلهامِ

واغذُذِ السَّيْرَ فالنَّهارُ بعيدٌ

وسَبيلُ الحَيَاةِ جَمُّ الظَّلامِ