عاث الحمام فما أبقى وما تركا

عَاثَ الحِمامُ فما أبقَى وما تَرَكَا

ولم يَدَعْ سُوقَةً مِنَّا ولا مَلِكَا

فما سألتُ امرأً يوماً بصاحبِهِ

والعهدُ لم ينأ إلاّ قالَ قد هَلَكَا

تُراهُ أقسمَ لا يُبقي على بَشَرٍ

ولا يغادِرُ إنساناً ولا مَلَكَا

ما بَثَّ في سَاكِنِ الغَبراءِ أسهُمَهُ

إلاّ ويُصمِي بها من يَسْكُنُ الفَلَكَا

فما يشُدُّ على شَخْصٍ فيعْصِمُهُ

إن يَمتَطِ العيسَ أو يستبطِنِ الفُلُكَا

يا للرزيّةِ لم يسمعْ بها أحدٌ

إلاّ وأجهَشَ من حُزْنٍ لها وبَكَى

ما للجَليدِ بها ما ساورتْهُ يدٌ

لو خَامَرَتْ قلبَ أيّوبَ الصبورِ شَكَا

تبَّتْ يدا الدهرِ لم يعلمْ بأيِّ فتًى

أودَى وأيِّ هُمَامٍ سَيِّدٍ فَتَكَا

بواحدٍ مَرَّ فَرْداً في مكارِمِهِ

ما افترَّ عن مثلِهِ دَهْرٌ ولا ضَحِكا

وَكَارِعٍ في حِيَاضِ المكرُماتِ فَمَا

زاحَمهُ واغِلٌ فيها ولا شُرَكا

متى يُفَاخِرْهُ حيٌّ مَتَّ منتسباً

بمَحْتِدٍ تتوارَى مِنْ سَنَاهُ ذُكَا

من دَوْحَةٍ طَابَ مَجْنَاهَا وحَلَّقَ أَعْ

لاها كما قَرَّ مَسْرَى عِرْقِها وَزَكَا

تكادُ تخرقُ سَمْكَ الأرضِ راسخَةً

عُروقُها ويناجي فَرْعُها الحُبُكا

شَهَادَةُ اللّهِ في التنزيلِ كَافِيةٌ

في فَضلِهِم عَنْ رَوَاهُ جابرٌ وحَكَى

يُرْبِعْ على ضلعِهِ السَّاعي ليُدركَهُ

فليس يلحقُهُ إنْ خبَّ أو بَرَكا

عَفُّ السريرةِ صَفَّاحُ الجَرِيرةِ مِقْ

دَامُ العَشيرةِ جَوَّادٌ بما مَلَكَا

ما مَدَّ يوماً إلى الدنيا وزينتِها

طَرْفاً ولا كانَ في اللذاتِ مُنْهَمِكَا

ما ضَمَّ يوماً على الدينارِ راحتَهُ

بخلاً ولا شَدَّ من حرصٍ عليهِ وِكا

أثرَى فما كانَ فيما أحرزتْ يَدُهُ

لفرطِ ما جَادَ إلاَّ وَاحِدَ الشُّرَكَا

الشَّهْدُ ما مَجَّهُ زَجْراً ومَوْعِظةٌ

لِسَانُهُ الطَّلْقُ لا ما أودعَ العَكَكَا

والعضبُ ما استلَّ من رأيٍ إذا التَحَمَتْ

عُرَى الخُطُوبِ وأَمرُ الأُمَّةِ التَبَكَا

يا منْ مَضَى وبقينا بعده هُمُلاً

لو أَنْصَفَ الدهرُ أَفنَانا وخَلَّدَكَا

لو سَامَنَا فيكَ مَحْتُومُ القضا بَدلاً

فَدَاكَ كلُّ امرئٍ مِنَّا وقَلَّ لَكَا

أَبعِدْ به من غَريمٍ لو خَضَعَتَ لهُ

ذُلاًّ قَسَا وإنِ اسْتمحلتَهُ مَحكَا

ما لامرِئٍ تَتَقاضَاهُ الدُّيُونُ يدٌ

بِدَفْعِهِ أَلَوَاهُ الدَّيْنُ أمْ مَعَكَا

فلستُ أعلمُ ما مَتَّ الحِمَامُ بِهِ

حتى لوَى بِكَ عَنَّا واستبدَّ بِكَا

إنْ يَغْتَصِبْكَ الردَى مِنَّا فقد غُصِبَتْ

بالأَمسِ أُمُّكَ صَافِي إرثِهَا فَدَكَا

فاذهبْ فما زالَ هَامِي الغَيْثِ يصحبُهُ

مُرفَضُّ دَمْعِي على مَثْوَاكَ مُنْسَفِكا