عد عن الوهم والخيال

عدِّ عن الْوَهَم والْخَيالِ

واسْتَعْمِلِ الْفِكْرِ والنَّظَر

ما النَّاسَ إِلاَّ كما الْخَيَالِ

فانْظُر إِلى ماسِكِ الصِّوَر

مَنْ يَعْتَبِر يَجد اعْتِبَارُه

ويَشْهَدِ الْحَقَّ في الشُهُود

مَثَّل هُدِيْتَ الوجود ستاره

وانْظُر لِمَن أطْلعَ الوُجُودْ

يَدَا لهُ قَبْلَ أنْ أدَارَهْ

وَأَوَّلُ السَّعْدِ في الصُّعُودْ

مَنْ يَرْقَى مِن سافِلٍ لعَالِي

يُعايِنُ العَيْن في الأثَر

ما النّاسُ إِلاَّ كما الْخَيالِ

فانْظُر إِلى ماسِكِ الصُّوَر

أوَّلُ ما يُبْصرُ الضَّعيفُ

كالطِّفْلِ شَكْلاً مُمَثَّلاَ

كَثايفا أصْلُهَا كَنِيفُ

لكِنَّها تَقْبَلُ الْجِلاَ

لِذَاتِها فِعْلُها يُضيفُ

والْقَولُ مَهْما تأمَّلاَ

إِذَا التماثِيلُ لِلْمِثالِ

يَظْهرنَ في عالَمِ الْبَصَر

ما النَّاسُ إلاَّ كما الْخَيَالَ

فانْظُر إلى ماسِكِ الصُّورَ

حَتَّى إذا أشْرَقَ النَّهارُ

واكْتَهَلَ الطَّفْلُ واهْتَدَى

رَأى الدَّوَات التي تُدَارُ

تَبْدُوا مَوَاتَا وجَلْمَدَا

بِها لِمُنْ صاغَها اسْتتارُ

خَفَى بِها إذْ بِها بَدَا

شُرَابُها لاَحَ كالزُّلاَل

قد فاتَه الرَّيُّ وانْحَصر

ما النَّاسُ إلاَّ كما الْخَيَالِ

فانْظُر إلى ماسِكِ الصُّوَر

عجبْت إذْ سرَّهُ عجيب

لِحُكْمِهِ كَيْفَ يَنْفَدُ

هذا كما شاءَ قرِيبُ

وذَا مِنْ الْوَصْلِ مُبْعَدُ

وذَا بَرِيءٌ وذَا مُرِيبُ

كذَاكَ شاءَ الْمُشَعْوَدُ

تَرَاهُ يُبْدِي ولاَ يُبَالِي

في كلّ طَوْر لَهُ وَطَرْ

ما النَّاس إِلاَّ كما الْخَيالِ

فانْظُر إِلى ماسِك الصُّور

يُلْبِسُها لُبْسَهُ المُنوطْ

واللَّبس في كُلِّ لابِسْ

نِيطَت بأطْرافِها خُيُوط

تَخْفَى على الإنْسِ إِذْ نَسِي

تذكارُها دونَهُ شُرُوطُ

أوَّلُهُ تَرك الأنفس

فَذِكْرُهَا أوَّلُ الْكَمالِ

حَيْيُ اغتدى آخِرِ النَّظر

ما النَّاسُ إِلاَّ كما الْخَيالَ

فانْظُر إِلى ماسكِ الصُّوَر

جِزْ ظاهِرَ الْكائِنات يَظهَر

ما باطِنِ الأمْرِ ما خَفَى

تِلك سُتُورٌ بها تَسَتَّر

عرِفُوا إِذ كُنَّ أحْرُفا

جُلِيَتْ الْعَيْنِ مَنْ تَبُصَّر

بها فَقد فاقَ مَنْ غَفا

حُذْ صاحِ عنْ حالةِ الْمَحالِ

فالصَّحْو أوْلى بمنْ سَكر

ما النَّاسُ إِلاَّ كما الْخيال

فانْظُر إلى ماسِك الصُّورَ

القلْبُ غيْبٌ والرَّبُ غَيْبُ

والْغيْبُ لِلْغَيْب يُنْسَبُ

مه يا أخَا الْقِشْرِ ثَمَّ لُبُّ

فاطْلُبْهُ فاللُّبُّ يُطْلب

ودونَه للسُّقاةِ شِرْبُ

يَشْدُو الذي مِنْهُ يَشْرَبُ

دَعْ ما يُقَالُ مِنْ الْمَحَالِ

مِمَّا خَفَى أو مِمَّا ظَهَرْ

ما النَّاسُ إِلاَّ كما الْخَيَالِ

فانْظُرْ إِلى ماسِكِ الصُّوَرْ