قف بالديار وأي الدهر لم تقف

قِف بالدِّيارِ وأيَّ الدَّهرِ لم تَقِفِ

على المَنَازِلِ بَينَ الظَّهرِ والنَّجَفِ

وَمَا وُقُوفُكَ في أطلالِ مَنزِلَةٍ

لَولا الَّذي استحدثَت في قَلبِكَ الكَلِفِ

إن كُنتَ أصبَحتَ مَشغوفاً بجارِيَةٍ

فلا وَرَبِّكَ لا تَشفِيكَ مِن شَغَفِ

ولا تَزِيدُكَ إلّا العَلَّ مِن أسَفٍ

فَهَل لِقَلبِكَ مِن صَبرٍ على الأسَفِ

دَع ذا وَقُل في الذي قَد فَازَ مِن مُضَرٍ

بِالمَكرُماتِ وعِزٍّ غَيرِ مُقتَرَفِ

هذي مَقَالَةُ شَيخٍ مِن بَني أسَدٍ

يُهدِي السَّلامَ إلى العَبَّاسِ في الصُّحُفِ

تَخُطُّها مِن جَوَاري المِصرِ كَاتِبةٌ

قَد طالما ضُرِبَت في اللَّام والألِفِ

وَطَالَما اختَلَفَت صَيفَاً وشاتِيةً

إلى مُعَلِّمِها باللَّوحِ والكَتِفِ

حتّى إذا ما استَوى الثَّديَانِ وامتَلآ

مِنها وخِيفَ على الإسرَافِ والقَرَفِ

صِينَت ثَلاثَ سِنينَ ما ترى أحداً

كَمَا تُصَانُ بِبَحرٍ دُرَّةُ الصَّدَفِ

بينَا الفَتَى يَتَمَشَّى نَحوَ مَسجِدِهِ

مُبَادِراً لِصَلاةِ الصُّبحِ بالسَّدَفِ

حانَت له نَظرةٌ مِنها فَأَبصَرَهَا

مُطِلَّةً بين سِجفَيها مِنَ الغُرَفِ

فَخَرَّ في التُّربِ ما يَدرِي غَدَاتَئِذٍ

أخَرَّ مُنكَشفاً أم غَيرِ مُنكَشِفِ

وَجَاءَهُ القَومُ أفواجاً بِمَائِهِم

لِيَنضحُوا الرَّجلَ المَغشِيَّ بالنُّطَفِ

فَوَسوَسُوا بِقُرانٍ في مَسَامِعِه

خوفاً من الجِنِّ والإنسانُ لم يَخَفِ

شيئاً ولكِنَّهُ مِن حُب جاريةٍ

أمسَى وأصبَحَ مَوقوفاً على التَّلَفِ

قالُوا لَكَ الخَيرُ ما أبصَرتَ قُلتُ لَهُم

جِنِّيَّةٌ أقصَدَتنِي من بني خَلَفِ

أبصَرتُ جَاريَةً مَحجُوبَةً لَهُمُ

تَطَلَّعَت من أعالي القَصرِ ذي الشُّرُفِ

فَقُلتُ مَن أيُّكُم واللهُ يَأجُرُهُ

يُعيرُ قُوَّتَهُ مِنّي إلى ضَعَفِي

فَقَامَ شَيخٌ بَهِيٌّ مِن تِجَارِهِمُ

قَد طَالَمَا خَدَعَ الأقوامَ بالحَلِفِ

فابتَاعَها لي بِألفي دِرهَمٍ فَغَدَا

بِها إلَيَّ فألقاها على كَتِفِي

فَبِتُّ ألثِمُها طَوراً وتَلثِمُنِي

طَوراً ونَفعَلُ بَعضَ الشَّيء في اللُّحُفِ

بِتنا كذلِكَ حتّى جاءَ صَاحِبُها

يَبغِي الدَّنَانِيرَ بِالمِيزانِ ذي الكَفَفِ

وذَاكَ حَقٌّ على زَندٍ وكَيفَ بهِ

والحَقُّ في طَرَفٍ والعَينُ في طَرَفِ

وبَينَ ذاك شُهُودٌ لم أُبالِ بِهِم

أكُنتُ مُعتَرِفاً أم غَيرَ مُعتَرِفِ

فإن تَصِلنِي قَضَيتُ القَومَ حَقَّهُمُ

وإن تقل لا فَحَقُّ القومِ في تَلَفِ