أبعد التقى أهفو إلى هفواتي

أبعدَ التُّقى أهفو إِلى هَفواتي

وأصبو إِلى ما كان من صَبواتي

وأغزلُ شِعري للحسانِ تغزُّلاً

على سيِّئاتٍ عارَضَت حَسناتي

نعم كان قلبي للمحاسنِ مَعبداً

وكانت أحاديثُ الهوى صَلواتي

فلما رأيتُ الحبَّ مكراً وخِدعةً

رجعتُ إِلى حلمي بصدقِ عِظاتي

ولكنَّ مزعاجاً أثارت بِلَحظِها

رَمادي فأبدَت كامنَ الجمرات

جَلُوبُ الهوى سوريَّةٌ عربيَّةٌ

تقولُ ورثتُ الحسنَ عن ظَبيات

قضَيتُ مع الآرامِ آنفةَ الصِّبى

فهنَّ على ما بيننا أخواتي

عرفتُ لمرآها شمائلَ أُمها

وكانت لها أمُّ من البرزات

إذا حدَّثت جاء الحديثُ ترنُّماً

وإن أنشَدَت فالشعرُ ذو نغَمات

لقد جمَّعت ظرفاً وعلماً وعفَّةً

فما هي إِلا أبهرُ الخفرات

محاسنُها في كلِّ قلبٍ تَشُوقُهُ

على قَدرِ ما فيهِ من الحَسَرات

تُحَبُّ ولكن لا تُحِبُّ لأنها

فتاةٌ لعوبٌ جَمعُها لشتات

لها مقلةٌ كالكأسِ بالخمرِ أشرقت

بها شرِقَ العشّاقُ في السَّكرات

وفي صدرِها عرشٌ وكنزٌ لدولةٍ

بَنَتها جيوشُ العربِ مُنتصَرات

وأشبَه ما ألقاهُ قلبي وخَصرُها

على رقَّةٍ مَقرونةٍ بثبات

رأت شَعرها جَثلاً فقصَّته طفلةً

وقالت ندمتُ الآنَ بعدَ فوات

ولو وزّعَتهُ خصلةً خصلةً لنا

لكانَ من الأعلاقِ والبركات

لقد قصرت ما طالَ كالليلِ في الأسى

لتأخذَ حقَّ النور من ظلمات

واذ غاضَها درٌّ يفاخرُ ثَغرها

ترامت عقودُ الدرّ مُنتثرات

وهمَّ بِطَرحِ العقدِ في الماءِ جيدٌ

فقالت لهُ هذا من الدمعات

تزيدُ حرير البرد منها نعومةً

على أنعم الأعطاف والبشرات

كذاكَ ولم تلمس يدايَ ولا فمي

ولكنَّ مِثلي صادقُ النظرات

أقولُ لها والقلبُ يُضعِفُهُ الشَّذا

بعيشكِ ردّي هذهِ النفحات

ألم تعلمي أن العبيرَ يُهيجُني

فكيفَ على أثوابك العطرات

أطيبتُها أم من قوامِكِ طيبُها

وقد نشرت منه على رقمات

أرى أجملَ الأزهارِ فيه تجمَّعت

فأربى على جنّاتكِ النضرات

شكا كلٌّ عطّارٍ كسادَ عطورهِ

وأصبحَ مَكروهاً من الفتيات

يَقُلنَ لهُ بِعنا كما بعتَ غيرنا

ودَع سلَّةً ملأى من الفضلات

إذا جاءكِ العطّارُ لا تتنفّسي

ولا تُخبري الجاراتِ في الخلوات

فيسرقُ أو يسرقنَ من فيكِ عطرهُ

وتَسري به الأرواحُمُختلسات

من الظبيةِ الغناءِ ألقى لبوءةً

إذا قلتُ يوماً يا بنيّة هاتي

فلا رقَّةٌ للقلبِ من خَصرِها الذي

يذوبُ من الأنفاسِ والزفرات

تميلُ من الإدلالِ واللّينِ والصّبا

وقد عَذُبت كالماءِ بينَ نبات

فأخشى عليها عثرةً كلَّما مشت

وقلبي لدَيها دائمُ العثرات

لئن أظهرت سخطاً وفي نفسِها الرِّضا

تشفَّعتُ بالقُربى وبالقربات

لوجنتِها ناري ومائي لجيدِها

وهذان للأملاكِ والملكات

سَمَحتُ بما في القلب والعينِ للهوى

ولو قابلت بالبخلِ خيرَ هِباتي

فأبكي غماماً حينَ تضحكُ روضةٌ

جهولاً لما في الصَّدرِ من خفقات

أنارت سبيلَ الحبِّ فهي كنجمةٍ

ولكنّها أعلى من النجمات

تلوحُ من القصرِ المطلِّ على الرُّبى

فَتُشرِفُ من قلبي على شرفات

ويؤنِسني مِصباحُها كلَّ ليلةٍ

وفي نورهِ لهوٌ عن السمرات

سأذكُرُ في دار الحبيبةِ سمرةً

تزوّدتُ منها أطيبَ الكلمات

فقلتُ لها إنَّ الدُّجى يَمنَعُ السُّرى

فقالت ضَحوكاً سِر على بَسَماتي

لقد نفَّست كَربي وسرَّت كآبتي

رخيمةُ صوتٍ حلوةُ الرَنوات

فكم في ليالي الأمنِ باتَت سَميرتي

نرى حولنا الجنّاتِ والهضَبات

وقد أصبَحَ الجسمانُ جسماً كأننا

نُريدُ امتزاجاً في لظى اللّثمات

ولكنَّ بعدَ الحبّ بُعداً وسلوةً

فما من بقاءٍ في ديارِ فناة

أرى الدّهر يُقصي القلبَ عما يُحبُّه

وينزعُ منه كنزَهُ نزعات

كما تحملُ الرّيحُ الشديدةُ نحلةً

فتُبعِدُها عن أجملِ الزهرات

مضى ذلك العهدُ الجميلُ ولم تزل

خيالاتُ ذاكَ الحبّ مرتسمات