أيوحشك الملهى ويؤنسك الرمس

أيوحشُكِ الملهى ويؤنِسُكِ الرَّمسُ

غريبةُ دارٍ أنتِ أيتها النفسُ

أتيتِ إلى الدُّنيا على غيرِ أهبةٍ

ولم ترجعي إلا كما انقلَعَ الضرس

فحيَّرني منكِ التراوحُ في الهوى

وأنتِ على شكٍّ يطولُ بهِ الهجس

فلا منزلٌ ترضينَهُ بعد منزلٍ

قريبٍ بعيدٍ عنكِ مأتمُهُ عرس

ولم تذكُري ما قبلُ من طولِ غربةٍ

ولم تعلمي ما بعدُ فاقتادكِ اللبس

تعَسَّفتِ في ليلٍ من الشكِّ دامسٍ

ولا بدَّ من أن يطلعَ الصبحُ والشمس

تقولينَ لي ما الأرضُ دارُ إقامةٍ

ولكن داري تلكَ وحشتها أُنس

سأرحلُ عن جسمٍ أنا منهُ كالشَّذا

من الزهر يَبقى بعدَ أن يذبُلَ الغَرس

رحيلُكِ هذا هَجعَةٌ أبديةٌ

أم اليقظةُ الكُبرى التي بَدؤها الرمس

أيا نفسُ أنتِ السرُّ والسرُّ غامضٌ

كخطِّ كتابٍ فوقَهُ اندَلقَ النقس

تردَّدتِ بينَ الخيرِ والشرِّ في الهوى

فمنكِ لكِ النُّعمى ومنكِ لكِ البؤس

وما كنتِ إلا اثنينِ في جسمِ واحدٍ

وهذا له قلبٌ وذاكَ له رأس

أأنتِ أنا أم لست مني فإنني

أرى اثنينِ في جسمي حديثُهما هَمس

وبينهما في الأمرِ طالَ تحيُّري

فيدفعُني جرسٌ ويمنعني جرس

سلاحُهما ماضٍ وقاضٍ هواهُما

ولا درعَ لي عندَ العراكِ ولا ترس

أبعدَ الرَّدى هل أنتِ ذاهبةٌ سُدى

كما انهرَقت خمرٌ بها انكسَرَت كأس

فيا حبّذا هذا وقد قالَ هكذا

كثيرون لكن قولهم كلُّه يأس

فعودي بإيمانٍ يكن لكِ موطنٌ

وإلا انتهى في الحفرةِ السّ عدُ والنحس

ولا جنةٌ تُرجى ولا نارُ تُختشى

فَأَنسَى وأُنسَى والوجودُ هو التعس

أموتُ وأحيا كلَّ يومٍ أفي الثَّرى

كما في الكرَى إن غبتُ فارقنى الحسُّ

هنيئاً لمن في القبرِ يرقدُ آمناً

هنالِكَ يَشفى الداءُ أو يطهرُ الرِّجس