رأيت الشرق ملكا للنبي

رأيتُ الشرقَ ملكاً للنبيِّ

يُزَلزَلُ تحت رِجلِ الأجنبيِّ

فحتامَ الفرنجةُ في هِراشٍ

عليهِ كأنَّهُ مالُ الصّبيِّ

فقل للطامعينَ بهِ رُويداً

قد استغنى اليتيمُ عن الوصيِّ

لقَد طالَ المَطالُ على وعُودٍ

بها تُطلى مطامِعُ أشعبيِّ

إذا قُلنا مَتى الإنجازُ قُلتُم

حَذارِ جحافلَ المَلِكِ الخفيِّ

تصَبَّرنا أُسُوداً في قُيُودٍ

على هذا الرّواغِ الثَّعلَبيِّ

وقُلنا نحن عُزلٌ فارحَمُونا

ولا تَتَلَطّخوا بدَمٍ زكيِّ

فصوَّبتُم مدافعَكم إلينا

لترشُقَنا بأنواعِ الشظيِّ

ومن أموالِنا صُنعَت لتودي

بكلِّ فتىً همامٍ ألمعيِّ

تدجَّجتُم ولم تُبقوا سلاحاً

لشعبٍ قد غدا هدفَ الرميِّ

ولو أنّا تعادلنا وجلنا

لأنصفنا الأصيلَ من الدعيِّ

فما حَطَمَ السلاحَ سوى سلاحٍ

يماثِلُهُ بتدبيرٍ خفي

فلسنا دونكم جَلَداً وبأساً

وأعزَلنا يُغير على الكمي

ولكنَّ القذائفَ والشظايا

حَمَتكُم من سنان السَّمهَري

بمائتِنا نلاقي الألفَ منكم

وما منّا سوى البطلِ الجري

زَعَمتُم أنّكم أعوانُ عدلٍ

تُجيرونَ الضّعيفَ من القوي

وفي أعمالِكم تكذيبُ قولٍ

غدا كيّاً على الجرحِ الدميِّ

أننصِفكُم ونحملُ كلَّ حيفٍ

فنأتي بالهديّةِ والهَدِيِّ

ونَنصُرُكُم وأنتم من عُدانا

فنؤخذَ بالخَّديعةِ من دَهِيِّ

ويومَ السلمِ تَنتَقِمونَ منا

فهَل هذي مكافأةُ الوفي

فبالمرصاد نحن لكم لنقوى

ونُرغِم أنفَ مختالِ عَتي

سنَصبرُ حاقدينَ على زمانٍ

به انتصرَ الخسيسُ على السري

فإمّا أن يكونَ لنا انتقامٌ

وتظفيرٌ بكلِّ فتى حَري

وإما أن نقاتِلَكُم ونَفنَى

بلا أسفٍ على العيشِ الدني

فإنَّ الموت في شرَفٍ وعزٍّ

أحبُّ من الحياةِ الى الأبي

سيوفُ الشرقِ ماضيةٌ ظُباها

وأمضاها شباةُ محَمدي

فلم يدعِ العلوجُ الحمرُ سيفاً

ولا رمحاً لأحمسِه العصي

فهل فرَجٌ لأهلِ الشرقِ يُرجى

بنجدةِ ربّةِ الشرقِ القصي

فيَشكُرَ كلُّ مظلومٍ فقيرٍ

مساعدةً من الشهّمِ السخي

هي اليابانُ تَطلَعُ للمعالي

بمطلَعِ رايةِ الشمسِ السني

لها في البحرِ أسطولٌ يدلّي

مراسيَهُ كأشطانِ الركي

بوارِجُهُ على الأمواجِ ترسو

قلاعاً في الصبائحِ والعشي

وجَحفَلُها يضيقُ البرُّ عنهُ

وفيهِ كلُّ مقدامٍ عدي

فيالِقُه سحائبُ في حَشاها

صواعقُ منذراتٌ بالدَّوي

مشى الأمراءُ والقوّادُ فيه

إِلى تذليلِ جبّارٍ طغِيِّ

فلم يُبقوا له علماً رفيعاً

ولا حصناً منيعاً للرُقيِّ

فهبَّ الشَّرقُ بعد خمورِ دهرٍ

لصرخةِ ذلك الشعبِ النخيِّ

وحارَ الغربُ في نصرٍ مبينٍ

علىالجيشِ اللّهامِ القيصريِّ

وباتَ الرومُ في قلقٍ ورُعبٍ

لترجيعِ الصدى صوتَ النعي

ولولا بأسُه دخلوا حماهُ

وقد جارَ البغيُّ على التقي

أيا أهلَ المشارقِ لا تناموا

فإنَّ عدوَّكُم في ألفِ زِيِّ

وكونوا أُمّةً يومَ التنادي

على أُممٍ من الغَربِ الغوي

وصيروا بعدَهُ أُمماً تآخت

وقد عَطَفَ الصفيُّ على الصفي

فلو أنّ الهنودَ مشوا جميعاً

إلى يومٍ أغرَّ عَرَمرَمي

لطاحَ الإنكليزُ بهِ وآلت

شدائدُه إلى شدّ المطي

ولكنّ الدسائسَ فرّقَتنا

فصرنا كالنبالِ بلا قِسي

لفولاذِ المدافعِ قد خَضعنا

فسيِّدُنا أذلُّ من الخصي

وضعفُ العزمِ والأخلاقِ أودى

بآلاف لدى نفرٍ قوي

فوهنُ الشّعبِ من وَهَنِ المزايا

ومن فَقدِ السلاحِ المعنوي

وفي صدقِ العزيمةِ كلُّ صعبٍ

يهونُ على الشجاعِ الأريحي

أبيُّ النفسِ يَلقى الموتَ طوعاً

ويقحمُه ببأسٍ عنتري

فلا عذرٌ لأعزَلَ سيمَ ضيماً

فقالَ أخافُ بطشةَ مدفعي

قوى الأرواح فوقَ قوى سلاحٍ

فرنجيٍّ يُعدُّ لمشرفي

فلو أن النفوسَ لها جِماحٌ

لكسّرنا المدافعَ بالعصي

مِن الإفرَنجِ لاَ يُرجى حياءٌ

فصونوا نضرةَ الوجهِ الحيي

فإما الحربُ في تحصيلِ حقٍّ

وإما السلمُ في حكمٍ سوي

لهم ملكٌ ومالٌ بين شعبٍ

حفيٍّ في منازِلهِ عَرِيِّ

فوا أسفي على الشرقيّ يَشقى

وأهلُ الغَربِ في عيشٍ رخي

أضاعَ الدينَ والدنيا جهولاً

ولم يكُ غيرَ مظلومٍ أذِيِّ

فحتّامَ الغضاضةُ والتغاضي

عن الأرزاء بالطّرفِ القذي

ويا أبناءَ يعربَ هل أصاخت

ضمائركم لتأنيبِ الندي

فَحولَ الكعبةِ العُظمى نجومٌ

تطالِعُكُم من الليلِ الدجي

أغيروا كلُّكم عرباً وغاروا

على الدينِ الحنيفِ الأحمدي

ودونَ الملكِ والإسلامِ موتوا

على حقٍّ كسيّدنا علي

وصونوا خيرَ ميراثٍ وسيروا

على النهجِ القويمِ الراشدي

وبالأسطولِ والجيشِ استعزّوا

لتحموا الملكَ من أمرٍ فريِّ

دعوا أثراً عفا وضَعوا أساساً

لقصرٍ من أُميّة مَرمَري

فيُنظمَ شَملُكم عقداً فريداً

يدلُّ على ذكاءِ الجوهري

خليفتُكُم حوى الدنيا فأزرت

عمامتُه بتاجٍ كسروي

وَرثتُم ملكَ غسانٍ ونضرٍ

وحِميرَ ذي الجلالِ التبّعيِّ

وقد زدتم عليه ملكَ دارا

وقيصرَ ثم فرعونَ الحمي

ولم يكُ مجدُ ذي القرنين إِلا

حقيراً عِندَ مجدٍ يَعربي

مواطنكُم يَعيثُ الرومُ فيها

وهم منها على كنفٍ وطي

لكم أشواكها ولهم جَناها

فليتَ حتوفَهم عند الجني

صبرتُم صبرَ أيّوبِ المعنّى

عَلَيهِم بعدَ حلمٍ أحنفي

فما عرفوا لكم صبراً وحلماً

وهل يُرجى الندى من أعجمي

وشرّ عداتِكم منكم فبلوى

بني العباسِ بابن العلقمي

ومُزِّقَ ملكُ أندلسٍ بدعوى

طوائفِه وحكمٍ فوضوي

فما حَسَمَ الخيانةَ وهي داءٌ

سِوى سيفٍ أحدّ مهلّبي

صلاح الدينِ ماتَ فهل سميٌّ

لقاهِرهم له بأس السمي

فيغدو الشرقُ حراً مستقلاً

فتجمعُهُ خلافةُ هاشمي

ويأخذُ للعزائم والمواضي

مضاءً من حسامٍ خالدي

أتاني الوَحيُ في ليلٍ شجاني

فجاشَ الشعرُ في صدري الشجي

فجدتُ بهِ على قومي وعيني

تصونُ بقيةَ الدمعِ الذريّ

ولو هملت دموعُ الحرِّ حيناً

على البلوى لكانت كالولي

ألا يا حبذا ليلٌ جميلٌ

زواهِرهُ كأصنافِ الحُلِيِّ

أرِقتُ ولذَّ لي أرقي عليهِ

لسكري بالجمالِ السرمدي

وما سَهري لجملٍ أو لنعمٍ

ولا شَغفي بحسنٍ زينبي

ولكنّ المراغبَ سهّدتني

لأحملَ عبءَ مأفونٍ خلي

فهمي كلُّهُ في أمرِ قومي

ولم يستَهونِي لهوُ الغوي

إذا نلتُ المنى نفّستُ كرباً

وإِلا فالسلامُ على الشقي

هنالِك بتُّ أرعى النجمَ بعثاً

وأحدجُهُ بمقلةِ بابلي

لعلي أهتدي من سرّ نفسي

إِلى سرِ الوجودِ الأولي

ولما أن هجعتُ رأيتُ طيفاً

يحييني بثغرٍ لؤلؤي

فضاعَ الطيبُ منه ومن نقابٍ

يُرفرفُ فوقَ بُردٍ أتحمي

تلألأتِ الجواهرُ فيه حتى

رأيتُ كواكب الأفُقِ البهي

فلاحت خيرُ من لبست نطاقاً

وعلّت من زلالٍ كوثري

فقالت وهي باسمةٌ سلامٌ

على من شِعرُهُ مثل الأتي

هَبطتُ إليك من جنّاتِ عدنٍ

فطِب نفساً بطيب طوبوي

وخذ منه نشاطاً واعتزاماً

وخفّف لوعة القلبِ العني

حظيتَ الحظوة الكبرى جزاءاً

لما أُوتيتَ من خُلُقٍ رضي

فمثلُكَ من يكونُ لفخرِ قومٍ

اذا افتخروا بشهمٍ لوذعي

إِلى العربِ انتميتَ وأنت برٌّ

فيا لك من أخي عربٍ هدي

فقلت وقد سجدت لها سلامٌ

على هذا الجلال الفاطمي

أيا بنتَ النبيِّ رفعتِ قدري

بتقريبي إلى الملأ العلي

فهانَ عليَّ دون حماكِ موتي

وهذا الموتُ فخرُ العبقري

فنفسي كلها طربٌ وشوقٌ

لرؤيا بين أنوار الحبيّ

أسيّدة النساءِ وأنتِ أبهى

من المريخ في الفلك النقي

على روحي أفيضي النورَ حتى

أرى فجراً على روضٍ ندي

لقد جرّدتُ من شعري سيوفاً

تذود عن الضريح اليثربي

وقد أشعَلتُ بالفرقانِ لبي

فهدي النارُ من صدري اللظي

فؤادي كربلاءُ هوىً وحرباً

ولم يُنكر بلاء الشافعي

أَأَنتِ بذاك راضيةٌ لأرضى

بآلام الشهيد الطالبي

فقالت أنت بالإسلام أولى

فصلّ فسلّمنَّ على النبي