ما الموت إلا فراق الأهل والوطن

ما الموتُ إلا فراقُ الأهلِ والوطَنِ

يا ليتني لم أكُن والبينُ لم يكُنِ

كم من حبيبٍ أراني اللِّينَ في حجَرٍ

وأيُّ قلبٍ لِدَمع الوَجدِ لم يَلن

أودَعتُهُ نصفَ روحي يومَ ودَّعني

والنّصفُ باقٍ معي للهمِّ والحزَن

والأرضُ آسفةٌ والشمسُ كاسفةٌ

وبهجةُ الرَّوضِ فيها وحشَةُ الدِّمن

كأنما الكونُ في ثوبِ الحِدادِ بدا

لمّا رأى الرُّوحَ تأبى صحبة البدَن

يومَ الوداعِ جَرى دمعي فبرَّدَ مِن

حرِّ الجوانحِ بين الحبِّ والشَّجَن

لكنَّهُ غاضَ بعد البُعدِ عن نفَرٍ

أفنى على حبِّهم والدمعُ فيهِ فني

كم بتُّ أرجوهُ تعليلاً وتعزيةً

فما حصلتُ على دمعي من الزَّمن

الدّهرَ لم يُبقِ لي حبّاً ولا أملاً

حتى البكاءَ على الأحزانِ أفقدَني

إنَّ العدوَّ ليَحنُو في البعادِ على

عدوِّهِ وكفَتهُ فرقةُ الوَطن

وقد يرقُّ من الجلمودِأصلبُهُ

يومَ الوداعِ لقلبٍ ذائبٍ وَهِن

لا بدَّ للمرءِ من موتٍ ومن سفرٍ

وقد تساوى حجابُ الرَّحلِ والكفن

الدَّهرُ فرَّقَ أحباباً فما اجتَمعَوا

والرِّيحُ نثَّرَتِ الأوراقَ عن فنن

والطَّيرُ غادَرَ أوكاراً وأفرخَةً

فيمَ الحياةُ بلا سُكنى ولا سكن

إنَّ العناقيدَ والقطّافُ ينزَعُها

مِثلُ القلوبِ على الأقتابِ والسُّفُن

سَعداً لمن عاشَ بينَ الأهلِ في وطنٍ

فراحةُ القَلبِ في الدُّنيا بلا ثمن