لو كنت في ديني من الأبطال

لَو كُنتُ في ديني مِنَ الأَبطالِ

ما كُنتُ بِأَلواني وَلا البَطَّالِ

وَلَبِستُ مِنهُ لَأمَةً فَضفاضَةً

مَسرودَةً مِن صالِحِ الأَعمالِ

لَكِنَّني عَطَّلتُ أَقواسَ التُقى

مِن نَبلِها فَرَمَت بِغَيرِ نِبالِ

وَرَمى العَدوُ بِسَهمِهِ فَأَصابَني

إِذ لَم أُحَصِّن جُنَّةً لِنِضالِ

فَأَنا كَمَن يَلقى الكَتيبَةَ أَعزَلاً

في مَأزِقٍ مُتَعَرِّضاً لِنِزالِ

لَولا رَجاءُ العَفوِ كُنتُ كَناقِعٍ

بَرحَ الغَليلِ بِرَشفِ لَمعِ الآلِ

شابَ القُذالُ فَآنَ لي أَن أَرعَوي

لَو كُنتُ مُتَّعِظاً بِشَيبِ قَذالِ

وَلَو أَنَّني مُستَبصِرٌ إِذ حَلَّ بي

لَعَلِمتُ أَنَّ حُلولَهُ تَرحالي

فَنَظَرتُ في زادٍ لِدارِ إِقامَتي

وَسَأَلتُ رَبّي أَن يَحُلَّ عِقالي

فَلَكَم هَمَمتُ بِتَوبَةٍ فَمُنِعتُها

إِذ لَم أَكُن أَهلاً لَها وَبَدا لي

وَيَعِزُّ ذاكَ عَلَيَّ إِلّا أَنَّني

مُتَقَلِّبٌ في قَبضَةِ المُتَعالي

وَوَصَلتُ دُنيا سَوفَ تَقطَعُ شَأفَتي

بِأُفولِ أَنجُمِها وَخَسفِ هِلالي

شَغَلَت مُفَتَّنَ أَهلِها بِفُتونِها

وَمِنَ المُحالِ تَشاغُلٌ بِمُحالِ

لا شَيءَ أَخسَرُ صَفقَةً مِن عالِمٍ

لَعِبَت بِهِ الدُنيا مَعَ الجُهالِ

فَغَدا يُفَرِّقُ دينَهُ أَيدي سَبا

وَيُزيلُهُ حِرصاً لِجَمعِ المالِ

لا خَيرَ في كَسبِ الحَرامِ وَقَلَّما

يُرجى الخَلاصُ لِكاسِبٍ لِحَلالِ

ما إِن سَمِعتُ بِعائِلٍ تُكوى غَداً

بِالنارِ جَبهَتُهُ عَلى الإِقلالِ

وَإِن أَرَدتَ صَحيحَ مَن يُكوى بِها

فَاِقرَأ عَقيبَةَ سورَةِ الأَنفالِ

ما يَثقُلُ الميزانُ إِلّا بِاِمرِئٍ

قَد خَفَّ كاهِلُهُ مِنَ الأَثقالِ

فَخُذِ الكَفافَ وَلا تَكُن ذا فَضلَةٍ

فَالفَضلُ تُسأَلُ عَنهُ أَيَّ سُؤالِ

وَدَعِ المَطارِفَ وَالمَطِيَّ لِأَهلِها

وَاِقنَع بِأَطمارٍ وَلُبسِ نِعالِ

فَهُمُ وَأَنتَ وَفَقرُنا وَغِناهُم

لا يَستَقِرُّ وَلا يَدومُ بِحالِ

وَطُفِ البِلادَ لِكَي تَرى آثارَ مَن

قَد كانَ يَملِكُها مِنَ الأَقيالِ

عَصَفَت بِهِم ريحُ الرَدى فَذَرَتهُمُ

ذَروَ الرِياحِ الهَوجِ حِقفَ رِمالِ

وَتَزَلزَلَت بِهُمُ المَنابِرُ بَعدَ ما

ثَبَتَت وَكانوا فَوقَها كَجِبالِ

وَاِحبِس قَلوصَكَ ساعَةً بِطُلولِهِم

وَاِحذَر عَلَيكَ بِها مِنَ الأَغوالِ

فَلَكَم بِها مِن أَرقَمٍ صِلٍّ وَكَم

قَد كانَ فيها مِن مَهاً وَغَزالِ

وَلَكَم غَدَت مِنها وَراحَت حَلَبَةً

لِلحَربِ يَقدُمُها أَبو الأَشبالِ

فَتَقَطَّعَت أَسبابُهُم وَتَمَزَّقَت

وَلَقَبلَ ما كانوا كَنَظمِ لَآَلِ

وَإِذا أَتَيتَ قُبورَهُم فَاِسأَلهُم

عَما لَقوا فيها مِنَ الأَهوالِ

فَسَيُخبِرونَكَ إِن فَهِمتَ بِحالِهِم

بِعِبارَةٍ كَالوَحيِ لا بِمَقالِ

إِنّا بِها رَهنٌ إِلى يَومِ الجَزا

بِجَرائِمِ الأَقوالِ وَالأَفعالِ

مَن لا يُراقِبُ رَبَّهُ وَيَخافُهُ

تَبَّت يَداهُ وَما لَهُ مِن والِ