أدرها لنا صرفا ودع مزجها عنا

أدرها لنا صرفاً ودع مزجها عنا

فنحن أناس لا نرى المزج مذ كنا

عرفنا بها كل الوجود ولم نزل

إلى أن بها كل المعارف أنكرنا

هي الخمر لم تُعرف بكرم يخصها

ولم تجلها راح ولم تعرف الدنا

وغنّ لنا فالوقت قد طاب باسمها

لأنا إليها قد رحلنا بها عنا

لها كل روح تعرف العهد عهدها

وفي كل قلب جاهل للسوى معنى

مشعشة تكسو الجوه جمالة

وفي كل شيء من لطافتها معنى

حضرنا وغبنا عند دورِ كئوسها

وعدنا كأنا لا حضرنا ولا غبنا

وأبدت لنا في كل شيء إشارة

وما احتجبت إلا بأنفسنا عنا

فلا تطق الأفهام تعبير كهنها

ولكنها لاذت بألطافها الحسنى

نصحتك لا تقصد سوى باب حانها

فمن وجد الأعلى فلا يطلب الأدنى

موانعنا منها حظوظ نفوسنا

فإن قطعت عنا إلها تواصلنا

تجلّت دنوّاً واختفت بمظاهر

فجلّت فما أغنى ودقّت فما أسنى

وما الكون إلا مظهر لجمالها

أرتنا به في كل شيء بدا حسنا

لها القدم المحض الذي شغفت به

بقاء غدا يفنى الزمان ولا تفنى

يعيد ويبدي فعلها كل محدث

وكل قديم فهي قد حازت المعنى

فما وجد الآباءُ من لطف صنعتها

عى قدم الأحيان ما أنكر الأبنا

أذاكرها قف عند حدك واقفاً

بعقلك عما حيّر العقل والذّهنا

أتزعم فيما قلت أنك صادق

رويدك ما العرفان قالوا ولا قلنا

لقد رمت مالا تستطيع مرامه

وأنّىلها حد يكيفها أنى

كفاك بأعيان الوجود مفكراً

بكل مليح يملأ العين والأذنا

فذلك عين العِز إن رمت عزّها

فمن رام أن يحيا بها دائما يفنى

إليها جميع الكائنات مشوقةٌ

تزيد افتقاراً وهي عنهن ما أغنا

لها مطلق الوجه الحسين الذي نأت

جنايته لكنها أبدا تجنى

وما العقل إلا من مواهب جودها

غدا والهاً في أمرها طائعاً مثنى

يقول أناس قد تملكه الهوى

أجل لست في ليلى بأول من جنا

خفيت بها عن كل ما علم الورى

وأظهر لبنى والمراد سوى لبنى

وإني كما شاء الغرام موحّد

وإن ملت تمويها إلى الروضة الغنا

يذكّرني مرّ النسيم بعَرفها

ويطربني الحادي إذا باسمها غنّى

ولا عجب مني الحنين وذو الهوى

إذا شاقه إلى قصده حنّا

فلله ما أرضى فؤادي لما به

وذو الحال ما أحلى وذو العيش ما أهنى

أوافق قوماً ضمهم مقعد الهوى

وإن كان كل منهم قاصدا فنّا

فهذا يورى بالغزالة غيرة

وهذا بعين السكر يستملح الغصنا

وهذا بلين العطف يبدي صبابة

وهذا يرى ميلا إلى المقلة الوسنا

وذا في سرور بالدنو وذا له

غرام وهذا بالنوى يظهر الحزنا

وذا باسم إذ نال ما كان طالبا

وهذا يسيل الدمع قد قرّح الجفنا

وذا خائف من قطعه بعد وصله

وذا بالرضى من حاله وجد الأمنا

وهذا محب بالصدود منعّم

وذا آخذ بالصد من قربه مضنى

وهذا تساوى الوصل والهجر عنده

فأنحى إلها يقطع السهل والحزنا

وهذا يرى بالسيف منها إشارة

فيشتاق سعيا نحوها الضرب والطعنا

وهذا يرى كل الجهات مقاصدا

وهذا يرى مهدا على متنه يبنى

وما ضر هذا الخلق والقصد واحد

إذا نحن أخلصنا إليها توجهنا

دعا باسمها الحادي ونحن على الغضا

فقلنا له بالله من ذكرها زدنا

فجاد إلى أن أهدت الركب نشوة

ونحن على الأكوار من طرب ملنا

لعمرك حتى العيس لذ لها السرى

عجبت لشوق يشمل الركب والبدنا

وحتى غصون البان مالت ترنحا

وغنت عليها كل صادحة مثنى

أهل عائدُ لي رقدةٌ كي أرى بها

خيال رسولٍ زايراً مضجعي وهنا

فإن جاءني بالقرب منها مبشرٌ

وهبت له سروراً وما أغنى

حيينا بها دهراً وقد حكمت لنا

ونح بها نحيا يقينا إذا متنا

فلست أرى عندي لحالي تغيّرا

ولا مطرقا فكراً ولا قارعا سنا

وإني على ما أكد العهد بيننا

مدى الدهر لا خنا العهود ولا حلنا

وأزكى صلاة اللّه ثم سلامه

على من حوى كل المحاسن والحسنى

وأصل وجود العالمين جميعهم

هو المظهر المجلى هو المقصد الأسنى