أغيب وعندي بالوفاء حضور

أغيب وعندي بالوفاء حضور

وينأى مزاري والكتاب يزور

وأغدو وللتذكار بين جوانحي

لهيب لدمع العين عنه صدور

وأدعوك والأشواق تفعلُ فعلها

دعاءً له فوق الخلاص عبور

أعلل نفسي بالكتاب وَقلَّمَا

شَفَت دَاءَ بَينٍ أَحرُفٌ وسطورُ

وإني وصبري عنك في النأي ليلة

فكيف ليال عدة لصبور

وكيف اصطباري عن َسنِيٍّ سناؤه

لانفي نَورٌ ولطرفي نور

وما كنت ممن ضيّع الحزمَ قبلها

ولكن حزمي في القضاءِ قصور

أبعدك والعياءُ فيك سجيةٌ

يطيب نعيم أو يتم سرور

أبى الله إلاَّ أنك الفضل كله

وإن حَرِجَت مما أقول صدور

فكم لك عندي من معانٍ أنيقةٍ

تسير ومعنى مَن سواك أسير

ومن فِقَر لو أَلَّفَ النظمُ بينها

تحلت صدور درّها ونحور

يقصر عنها جِرولٌ ومهلهل

ويحذو عليها أخطل وجرير

ففي كل خلّ ما خلاك مقالةٌ

وفي كلِّ ودّ غير ودّك زور

ألا ليت شعري هل للقياك كرةٌ

فيعدل دهر لا يزال يجور

ولا بأس من روح الإِله ولطفِهِ

فإن تصاريف القضاءِ تدور

فَتُدرَكُ آمال وتُقضَى مآربٌ

وتحدث من بعد الأُمور أمور

تَغَيَّرتَ والأيامُ تصفو وتكدر

ومن ذا الذي ينأى ولا يتغيرُ

وعاملتَ بالسُّلوان خِلاًّ فؤادُهُ

ومنطقه ذكر لكم وتذكّر

طوى لك والأيامُ تبلى مودة

تكادُ لإفراطِ الغضاضة تقطر

أبى الله أن أنسى إخاءك لمحةً

وإن بَعُدَت منَّا ديراٌ وأعصر

وكيف تناسى من هواه وشخصه

لقلبي فكر أو لعيني منظر

إذا غاب عن طرفي تلقاه ناظري

فمن لُقيَةٍ تُمحَى وأخرى تُصَوَّرُ

وما زِلتُ من خَطبِ التَّفَرُّقِ مُشفِقاً

فقد حلَّ بي منه الذي كنت أحذرُ

فيا ليت سوءَ البُعدِ عنك مقدمٌ

ويا ليت حُسنَ القُربِ منك مؤخر

وقد كثرت أيامُ لُقياكَ قبلها

ولكنَّ أيام التفرّق أكثر

وقد طالَ وجدي في ليالٍِ طويلةٍ

لبعدك كانت حين قُربِكَ تَقصُرُ

وقد أصممتني عنك للبين روعةٌ

ولكن لسانُ الحال عنك يعبر

ففي طَيِّ أحشائي لذكرك مجمر

وفي نشر ألفاظي بذكرك عنبر