الخوف والأنس شيء ليس يتفق

الخوفُ والأنسُ شيءٌ ليس يتفق

والحبُّ والدمعُ أمرٌ ليس يفترقُ

فاقبض عنانَ الدَّعاوي فهي مُرديةٌ

ولو تمادى بها في غيِّها الطّلق

وارجع وراءكَ عن طُرقٍ مضللة

فليس في كلِّ حين ترشد الطرق

ولا تقولن إني خائفٌ وجلٌ

ولا محبٌ فذاك القول مختلقُ

ولا تُواكِب غداةَ السَّبق معتدياً

أهل السِّباِ وأنت اللّغو واللحق

والزم مقامَكَ وهو العَجزُ وارضَ بهِ

فالأرضُ تسفل مهما عُليَ الأُفُقُ

فالعبد عند حضور الطََّّرفِ محتقرٌ

والنجمُ عند سطوع الصبح ممتحق

نادتك نفسُكَ للأهواء جامحةً

والطبعُ يُسعِدُها والوَهمُ والحُمُقُ

وَبِتَّ من شَهَواتِ النَّفسِ في شُغُلٍ

تُفنِي زمانَكَ في لهو وتفترق

والدين عندك قولٌ أنت قائله

وليس للفعل فيما قلت معتلق

تَحَيُّرٌ وتخاليطٌ وذبذبة

وغفلة ودعاوٍكلُّها حمقُ

حكيت قوماً بأقوال تسارقُهَا

وللمحبين حال ليس تسترق

فاشدد حيازيم عزمٍ في اللِّحاق بهم

فالعزم أحسنُ شيءٍ أنت تنتطق

ولا تُعَلِّل بسوفَ فهي مهلكةٌ

لم يرضَهَأ قطُّ إلاَّ الجهلُ والخَرَقُ

ما أنت من حالة المحيا على ثقةٍ

وأنت تفعل فيها فعل من يَثِقُ

يا نائمَ القلب مَعنًى وهو منتبهٌ

والقلبُ إن نام لم يستيقظ الحدق

لا تفتحن بغير الجدِّ مشكلةً

فليس يبقى على مفتاحه غلق

وكم تَسَابَقَ أقوامٌ على أمدٍ

لكنَّه لقليل يُسِّرَ السَّبَق

خاطر بنفسك في بحر التُّقى أنفا

إنَّ الشهادة فيه العيشُ والغرق

وقد زعمتَ بأنَّ النَّفسَ زاكيةٌ

أنَّى وأنت مع الأمحاض ممتذق

أينَ الدليلُ على ما أنت زاعمه

وبالأدلة يُدرَى الجدُّ والملق

ففي الهواجر لا جوعٌ ولا ظمأ

وفي الدياجير لا سُهدٌ ولا أرَقُ

ما حقَّقَ العَزمَ إلاَّ كَيِّسٌ فَطِنٌ

يحثهُ سائغان الحبُّ والشفق

خاف البيات فبات اللَّيلَ مرتقباً

بحارَ موتٍ على الأرواح تنطبق

مسهَّدُ الجَفنِ في فكرٍ ومعتبرٌ

لا الفجر يلفيه نوَّاماً ولا الشَّفق

باللَّيل مشتمل بالسهر مكتحل

بالدَّمع مصطبح بالدمع مغتبق

يفتنُّ ظاهره قرباً وباطنهُ

حُبَّاً وأهلُ التُّى في حالهم فِرَقُ

سَفرٌ إلى الله لم يَصرِف رواحِلَهُم

هوى النُّفوسِ ولم تصرفهُمُ العلق

والعارفون إذا صحَّت معارِفُهُم

للَّهِ إن صمتوا بالله إن نطقوا

موحدون فلا يلوون أعينهم

سِراً وجهراً لغير الله إن رمقوا

أفكارهم زُهُرٌ أنفاسهم زَهَرٌ

أجفانهم غدق أحشاؤهم حرق

دموعهم أبداً للخوف هامعةٌ

لكن ظلوعهم للحبّ تصطفق

أضحت جسومُهُمُ في الأرض سائمةً

وطيّها أنفس للغيب تخترق

لله في الخلق أسرار مخبأةٌ

من دونها رُتَّجُ الأبواب والغُلُقُ

وأنفس طَهُرَت أنفاسها فسرت

في السرّ تنفح حباً حين تنتشق

عرفان يوسف بعد البعد إخوتَهُ

أدَّى إلى جمعهم من بعد ما افترقوا

فأعرف إلاهَكَ واعمل بعد معرفة

فالأصل تلك وهذا الفرعُ والورق

واصبر قليلاً فإن الدّار دارسة

وكلّ من حلَّهَا غادٍ فمنطلق

وإن يَفِ لك من عهد الصِّبا زمن

فاضنن به فقليلاً يمكث الرَّمق

يا شائبَ الفودِ إلاَّ من بطالته

جَدِّد ملابسَ ثوبٍ أيُّها الخلق

لا تنسَ صرعةَ موتٍ سوف تذكرها

إذا تغشَّاك كربُ الفزع والعرق

وضجعةً ترهب الأرواح فجأتها

لو كان يعصمها من فجئها الفرق

استغفرُ الله من قول تعقّبهُ

بالنّقص فعلي فلم يعدم له رهق

أراقب الصّبح والأحشاءُ مظلمة

وهل ينير فؤاد كلُّه غسق

يا من أخاطبه والحال شاهدة

أني لنفسي بهذا القول استبق

إذا اتفقنا على سهو ومعجزة

فمطلب الرُّشد منَّا ليس يتفق

والنّاس في دينهم صَحَّ اختلافُهُم

لكنّهم في هوى دنياهم اتفقوا