تبارك رب عمنا بحبائه

تَبارَكَ رَبٌّ عَمَّنا بِحبائِهِ

وَأَهدى إِلَينا رَحمَةً مِن سَمائِهِ

رَسولاً شَفى أَدواءَنابِدَوائِهِ

جَزى اللَهُ خَيرَ الناسِ خَيرَ جَزائِهِ

فآثارُهُ أَنوارُها تَتَبلَّجُ

هُوَ الطاهِرُ المُختارُ مِن كُلِّ طاهِرٍ

يُنَسيكَ مِنهُ أَوَّلاً فَضلُ آخِرٍ

أَتى بِكِتابٍ لَيسَ مِن قَولِ شاعِرٍ

جَلاصَدأ الإِشراكِ عَن كُلِّ ناظِرٍ

فَلِلحَقِّ فيها مَنهَجٌ لَيسَ يَنهَجُ

تَأَخَّرَ بَعثاً وَهوَ فَضلاً مُقَدَّمُ

مِنَ النَجم أَهدى بَل مِنَ الغَيثِ أَكرَمُ

مِنَ الأَبِ أَحنىَ بَل مِنَ الأُمِّ أَرحَمُ

جَميلٌ جَليلٌ في القُلوبِ مُعَظَّمُ

بِهِ الأَرضُ تَزهو وَالبَريَّةُ تَبهَجُ

بِهِ نَهَجَ اللَهُ السَبيلَ وَأَوضَحا زَحزَحَ

بِالحَقِّ الهَوى فَتَزَحزَحا

فَلِلَّهِ ما أَجلى وَأَزكى وَأَفوَحا

جَبينٌ كَنورِ الشَمسِ في الصَحوِ في الضُحى

وَعَرفٌ كَما لاقى النَسيمَ البَنَفسَجُ

لَهُ الهَديُ وَالسَمتُ الَّذي دَلَّ فَضلُهُ

عَلى أَنَّهُ حِبُّ الإِلَهِ وَخِلُّهُ

عَظيمُ النُهى خَيرٌ لِذي الخَيرِ كُلُّهُ

جَزيلُ اللُهى يَغشى البَريَّةَ ظِلُّهُ

فَلا البَسطُ مَقبوضٌ وَلا البابُ مُرتَجُ

بِشارَتُهُ مَوجودَةٌ قَبلَ خَلقِهِ

وَلا خُلقَ يُرضَى كُنهُهُ بَعدَ خُلقِهِ

رَؤفٌ إِذا أَلوى الزَمانُ بِرِفقِهِ

جَوادٌ إِذا ضَنَّ الغَمامُ بِوَدقِهِ

فَفي كَفِّهِ بَحرُ النَدى يَتَمَوَّجُ

مَكارِمُهُ التَقوى وَتِلكَ المَكارِمُ

فَلَيلٌ وَيَومٌ قائِمٌ ثُمَّ صائمُ

فَلِلَّهِ مِنهُ وَالعَطايا جَسائِمُ

جَليلُ المَزايا فَهوَ لِلرُّسلِ خاتِمُ

وَلِلحَقّ بُرهانٌ وَلِلرُشدِ مَنهَجُ

أَنافَ بِهِ فَوقَ السماكِ مَحَلُّنا

فَيُكرَمُ مَثوانا وَيُرقَبُ إِلُّنا

ظِلالُ سِوانا دونَ أُكلٍ وَظِلُّنا

جَنى رَوضِهِ داني القُطوفِ فَكُلُّنا

يَروحُ إِلى ما يَشتَهيهِ وَيُدلِجُ

خَبا كُلُّ مِصباحٍ لِنورٍ بِذاتِهِ

وَعَمَّ عُمومَ القَطرِ جودُ هِباتِهِ

وَنابَ مَنابَ المَوتِ حَدُّ قَناتِهِ

جَمادُ الحَصى وَالنَبتُ مِن مُعجِزاتِهِ

وَحَسبُكَ مِن جذعٍ يَحنُّ وَيَنشِجُ

حَنَتهُ عَلى أَضدادِهِ أَرييحَّةٌ

وَنَفسٌ بِأَفعالِ الجَميلِ سَخيَّةٌ

فَآياتُهُ في كُلِّ وَجهٍ سَنيَّةٌ

جَوابٌ بِصَوتٍ مُفضِحٍ وَتَحيَّةٌ

بِنُطقٍ صَحيحِ الَفظِ لا يَتَلَجلَجُ

بِهِ مُنِحَ التَوفيقَ كُلُّ مُوَفَّقِ

وَدانَ بِدينِ الحَقِّ كُلُّ مُحقِّقِ

رَسولٌ كَمِثلِ الوالِدِ المُتَرَفِّقِ

جَديرٌ بِكُلِّ المَدحِ مِن كُلِّ مَنطِقِ

فِمِقدارُهُ أَعلى وَمرآهُ أَبهَجُ

فَدَيناهُ بالأَرواحِ لَو كانَ يُفتَدى

فَكُلٌّ بِهِ بَعدَ الضَلالِ قَدِ اِهتَدى

تَمَسَّكَ قَبلَ الوَحي بالحَقِّ واِقتَدى

جَنى في الصبا زَهرَ النُبوَّةِ الهُدى

فَما زالَ في أَخلاقِهِ يَتأرَّجُ

هُوَ الفَرعُ قَد أَربى عَلى طيبِ

أَصلِهِ فَمَن مِثلُهُ ما في الأَنامِ كَمِثلِهِ

وَحَسبُكَ بالإِسراءِ أَصلاً لِفَضلِهِ

جَلالٌ رآهُ اللَهُ أَهلاً لِحَملِهِ

فَشَبَّ عَلى مِرقاتِهِ يَتَدَرَّجُ

إِلَيهِ اِنتَهَت في العالَمينَ المَفاخِرُ

بِها قَطَعَت بَحرَ الثَناءِ المَواخِرُ

وَحَسبُكَ مِنهُ أَوّلاً وَهوَ آخِرُ

جَوانِحُه بَحرٌ مِنَ النورِ زاخِرُ

بِساحِلِهِ لِلَّقطِ دُرٌّ مُدَحرَجُ

أَلا إِنَّ رَبَّ العَرشِ شَرَّفَ أَحمَدا

وَوافى بِهِ بُشرى وَأَنجَزَ مَوعِدا

وَأَسرى بِهِ حالاً وَشَفَّعَهُ غَدا

جَرَت لَيلَةُ الإِسراءِ ذِكراً مُخَلَّدا

وَمَن كَرَسولِ اللَهِ لِلَّهِ يَعرُجُ

لأَعجَز صَرفَ الدَهرِ هَدُّ بِنائِهِ وَأَزرى

بِعَرفِ المِسكِ طيبُ ثَنائِهِ

وَمَن ذا يُسامي المُصطَفى في سَنائِهِ

جَميعُ الوَرى في الحَشرِ تَحتَ لوائِهِ

وَأَعناقُهُم طُرّاً إِلَيهِ تُعَوَّجُ

هَنيئاً لَنا مِنهُ الشَفاعَةُ في غَدٍ

يَنالُ رِضاها كُلُّ عَبدٍ مُوَحِّدٍ

عَلى خَطإِ في الذَنبِ أَو عَن تَعَمُّدٍ

جَرآئِرُنا تُمحى بِجاهِ مُحَمَّدٍ

إِذا شُفِّعَ المَحبوبُ جازَ المُبَهرَجُ

فَطوبى لَهُ مَن لَم يَضِق عَنهُ بِرُّهُ

نَبيٌّ عَلا فَوقَ النَعائِمِ قَدرُهُ

مُنيرٌ عَلى مَثواهُ في اللَحدِّ بَدرُهُ

جَديدٌ عَلى كَرِّ الجَديدَينِ ذِكرُهُ

وَهَل هُوَ إِلّا المِسكُ بِالشَهدِ يُمزَجُ

نَأى فَصَبَبنا الدَمعَ نَمري شُؤُونَهُ

وَنَذري عَلى حُكمِ النُزوع هَتونَهُ

فَنَحنُ نُقاسي للهيامِ فُنونَهُ

جَواناً عَلى قَدرِ التَخَلُّفِ دونَهُ

فَكُلُّ فُوآدٍ جَمرَةٌ تَتأَجَّجُ

ثَوى بِجِراءٍ لِلتَحَنُّثِ مُدَّةً

فَأَلبَسَهُ ذاكَ الجَلالَةَ بُردَةً

فَلِلَّهِ عَبدٌ قالَ فيهِ مَوَدَّةً

جَعَلتُ اِمتِداحَ المُصطَفى ليَ عُدَّةً

عَسى رَوعَهُ الميزانِ عَنّي تُفَرَّجُ