الجمال

خَلَقْتَ الجَمَالَ لَنَا آيَةً

تَطُوفُ القُلوبُ بهَا وَ العَيُونْ

وَأَبْدَعْتَ في الكَوْن مَا تَجْتَلي

عُيُونٌ وَمَا هُوَ سِرٌّ دَفِينْ

وَزيَّنْتَهُ ! يَا لَهَذا الجَمَالِ

وَهذا الجَلاَلِ وهذا الحنين

فَتَخْشَعُ في نُورِه أَضْلُعٌ

وتَخْفُقُ أَشْوَاقُهَا و الشُّجُونْ

فهذي السَّمَاءُ وآفَاقُها

بُرُوجٌ تُزَيَّنُ للنَّاظِرينْ

فَكَمْ بَصَرٍ عَادَ مِنْهَا حَسْيراً

عَلى خَشيَةٍ وَهُمُ مُشْفِقُونُ

وَ غَيْبٌ وراءَ وثوب الخيالِ

عَصَيٌّ عَليْهِ و سَقفٌ مَتِينْ

فُطُفْ حَيْثُ شِئتَ فآيَاتُهَا

جَلاَلُ المَدَى و جَلال القرونْ

وهذي هي الأرضْ كَمْ جَنَّةٍ

تَفَجَّرُ بين جَنَاها العُيُونْ

ورَوْضٍ تَنَفَّسَ عَنْهُ الصَّبَاحُ

شَذاً من وُرُودٍ و مِنْ يَاسَمِينْ

وطَيْرٍ كَأْنّ رَفيفَ جَنَاحَيْـ

ـهِ رفُّ البكُورِ وهمْسُ الغُصُونْ

يُسَبِّح لله في مَوْكِبٍ

جَليلٍ وحَشْدٍ من الخاشِعِينْ

وكَمْ مِن جِبالٍ تَشقُّ ذُرَاهَا

عنانَ السَّماءِ و سَهْلٍ يَلينْ

وَكَمْ أَبْحُرٍ غَيَّبَ الله فِيهَا

غُيُوباً وأَطْلَقَ فيها السَّفِينْ

وَنَهْرٍ .. تَدَفَّقُ أَمْواهُه

يُرَوِّي الحَيَاةَ ويُغْني القُرونْ

يُزَيِّنُها الله كَيْفَ يشاءُ

وَيَمْنَحُهَا عَبْقَرِيَّ الفُنُونْ

وأنْشَأتَ مِنْ زِينَةٍ في الحياةِ

لِتَبْلُوَ مِنَّا الهَوَى و اليَقِينْ

وَتَبْلوَ مِنَّا خَبَايَا الصُّدُورِ

ونَجْوَى القُلُوبِ و هَمْس الجُفُونْ

فَكَمْ زِينَةٍ سَعَّرَتْ فِتْنَةً

تلظَّتْ عَلَى شَهْوَةٍ أَو مُجُونْ

وكمْ زِينَةٍ رفَّ فيها الجَمّالُ

يُطَهِّرُ أَشْوَاقَنا والحَنِين

فَزِينَةُ هذِي الحَيَاةِ رِيَاشٌ

وزهْوَةُ مَالٍ وَ شَوْقُ البَنِيْنْ

يُبَدِّلُهَا النَّاسُ في سَعْيِهِمْ

شُكُورَ التُّقَى أو جُحُودَ الفُتُونْ

فَكَمْ جَاهِلٍ ضَلَّ في غَيِّه

فَظنَّ الجَمَالَ هَوَى المُعْتَدِينْ

وَلهْوَ الحَرَام عَلَى شَهْوَةٍ

تَوَاثَبُ بَيْنَ غَوَانٍ و عِينْ

رَفِيفُ الجَمَالِ نَوَالُ الحَلالِ

وصِدْقُ الوَفَاءِ وعَهْدٌ أَمينْ

وأَجْمَلُ آيَاتِهِ أَنَّهُ

هُوَ الحَقُّ والطُّهْرُ أنّى يكُونْ

ونورٌ تَدفّقَ مِلءَ الوُجُودِ

يُزيحُ الظّلاَمَ و يَنْفي الظّنُونْ

وَحُرِّيّةٌ أَطْلَقَتْ أَنْفُساً

لِتَمْضِيَ في مَوْكِبِ العَابِدينْ

سَيَبْقَى الجَمالُ لَنَا آيَةً

يَرَى اللّهَ في صِدْقِها العَالمونْ

ويَبْقى هَوَانَا هوى الصَّادقينَ

فَمَا الحُبُّ إِلا هَوَى الصَّادقِينْ

وَمَا الحُبُّ إلا زكيُّ الجَمَالِ

نَقِيُّ الفعَال وَ فَاءٌ وَ دينْ

وَمَنْ عَرَفَ الحُبَّ للّـ

ـهِ عَلّمَهُ الحبُّ تَرْكَ المُجُونْ

ففي كُلِّ ناحِيَةٍ آيَةٌ

مِنَ الحُسْنِ تُجْلَى و حَقٌّ يَبِينْ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ اللّـ

ــه رَبُّ الخَلائِقِ و العَالمينْ

وَلَيْسَ يَرَاها سِوَى مُؤمِنٍ

وَلَيْسَ يَرَاهَا سَوَى المتَّقين

وأَنْتَ جَميلٌ تُحِبُّ الجَمالَ

فَقُلْتَ لَنَا يا عِبَادِي اتَّقُونْ