أبا سفيان أي دم تريد

أبا سُفيانَ أيَّ دَمٍ تُرِيدُ

هِيَ العنقاءُ مَطلبُها بَعِيدُ

بَلِ العنقاءُ أقربُ من مَرَامٍ

هُوَ الأملُ المُخَيَّبُ أو يَزِيدُ

أغرَّكَ خِنْجَرٌ بِيَدَيْ شَقيٍّ

وما يُدرِيكَ أيّكما السّعيدُ

رأى جبلاً ترى الشُّمُّ الرَّواسي

جَلالتَهُ فترجف أو تَمِيدُ

فلم تنفَعْهُ من فَزَعٍ قُواهُ

ولم ينهضْ به البأسُ الشَّديدُ

وشُدَّ خناقهُ بِيَدَيْ أسَيْدٍ

فلولا الرفقُ لانْقَطَعَ الوريدُ

تَلقّاهُ بِمخلبِ مُكْفَهرٍّ

يَثورُ فتقشعرُّ له الجُلودُ

وأظهر َما يُوارِي من سِلاحٍ

يَدُبُّ بمثلِهِ الشَّنِفُ الحَقودُ

وأيقنَ أنّ دِينَ اللَّهِ حَقٌّ

فما يُجدِي الضّلالُ وما يُفيدُ

أصابَ الخيرَ من بَركاتِ رَبٍّ

هَداهُ رسولُه الهادِي الرَّشيدُ

وجاءكَ يا أبا سُفيانَ عمروٌ

فأينَ تَزِيغُ وَيْحَكَ أو تَحِيدُ

هو البطلُ الذي عرفتْ قُريشٌ

فلا نُكْرٌ بذاكَ ولا جُحودُ

يُخادِعهم وما تَخْفَى عليهم

مكيدةُ مَن يُخادِعُ أو يَكِيدُ

بدا لهمُ المغيَّبُ فَاسْتَرابوا

وَلَجَّ الذُّعرُ واضطرمَ الوعيدُ

وأبْصَرهُ مُعاويةٌ فَجَلَّى

سَرِيرَةَ نفسهِ النَّظرُ الحديدُ

وقالوا فاتكٌ يرتاد صيداً

وما كنّا فريسةَ مَن يصيدُ

وشَدُّوا خَلفَهُ فإذا سُلَيْكٌ

أُعِيرَ جناحَهُ البطلُ النَّجيدُ

وغَيَّبهُ ببطنِ الأرضِ غارٌ

فما يَدرونَ أين مَضَى الطَّريدُ

أُعِينَ بصاحبٍ لا عَيْبَ فيهِ

فَنعمَ الصَّاحبُ الثَّبْتُ الجليدُ

وجاءَ لِحَيْنِهِ منهم غَوِيٌّ

له في الشِّعرِ شيطانٌ مَريدُ

يُديرُ الكفرَ في فمهِ نَشيداً

يُردِّدهُ فيعجبُهُ النَّشيدُ

أصاخَ له فأوقدَ منه ناراً

لها من كلِّ جارحةٍ وَقودُ

تلهَّبَ واسْتطارَ فيا لنفسٍ

طَغَتْ حِيناً فأدركها الخمودُ

رَمَاها في لهيبِ البأسِ رَبٌّ

لها في نارِهِ الكُبْرى خُلودُ

كِلا الرَّجُلَيْن يا عَمروٌ عَدُوٌّ

فَدُونَكَ إنّه صَيْدٌ جَديدُ

هُما عَيْنَا الخيانةِ من قُريشٍ

وأنتَ يَدُ النبيِّ بها يَذُودُ

رَمَيْتَ عنِ النبيِّ فمن صريعٍ

أراقَ حياتَهُ السَّهمُ السَّديدُ

ومن فَزِعٍ مَضيتَ به أسيراً

على جَزَعٍ يَذلُّ ويَسْتَقيدُ

جَلبتَ على أبي سُفيانَ شَرّاً

فأصبحَ وَهْوَ محزونٌ كَمِيدُ

تَجرَّعَ ثُكْلَ من فُقِدا زُعافاً

وأهلكه الأسَى فَهوَ الفقيدُ

ستدركُهُ الحياةُ ولا حياةٌ

لغيرِ المُؤمنينَ ولا وُجودُ

رِجالٌ لا تُبِيدُهُم المنايا

وكلٌّ من بني الدُّنيا يَبِيدُ

هُوَ الإيمانُ لا دُنيا حَلوبٌ

يُعاشُ لها ولا مُلكٌ عَتِيدُ