بلغت مطيك أول الركبان

بَلغتْ مَطيُّكَ أَوّلَ الرُّكبانِ

ورَمتْ بَرحْلِكَ أبعدُ الأوطانِ

حَدَتِ النَّوى بك أربعينَ عَوابساً

شُوهَ الوُجوهُ ذميمةَ الألوانِ

مالَ الأسَى بِرحالِها وجرَى دماً

ماءُ الشُّؤونِ فمالَ بالأرسانِ

تمضِي جَوافلُها بأغبرَ مُوحَشٍ

تَنسابُ فيه نواعبُ الغِربانِ

وادي النَّوى اختطّتْ به لذويِ الأَسَى

مَسْرَى الهُمومِ ومَسرحَ الأحزانِ

يُزجِي الرّكائبَ كلَّ يومٍ شَطْرَهُ

غادى الفراقِ ورائحُ الإخوانِ

زالوا سِراعاً كالحُصونِ هَوَى بها

قَدَرٌ من الزَّلزالِ ذي الرَّجَفانِ

عَدَتِ الخطوبُ فَطاحَ في غَمَرَاتِها

شَعبٌ بأفياءِ الكِنانةِ عانِ

ضاحِي المَقاتلِ ما يَزالُ يَنوشُه

ضاحي العَداوةِ بارزُ الشَّنآنِ

ما انفَّك يُجزَعُ بالحُماةِ أعزّةً

مُستكبرينَ على ذَوِي التِّيجانِ

مُتمرِّدينَ على الزَّمانِ يَسومُهم

سِمةَ الهَوانِ وخُطَّةَ الإِذعانِ

نهضَ الأُباةُ بهم إلى مُستشرفٍ

تَنجابُ عنه قوارعُ الحِدْثانِ

عَالٍ لَوَ اَنَّ الجِنَّ في سُلطانهِا

هَمَّتْ به لَهَوتْ على الأذقانِ

يَستصغرُ الخَطرَ المَهِيبَ نَزيلُه

ويراه أَهْيَبَ مَنزلٍ ومكانِ

مَرقَى الرّجالِ إلى الخُلودِ وسُلَّمٌ

يَنحطُّ عنه العاجزُ المُتواني

وإذا رُزِقْتَ النَّفسَ دائبةَ القُوى

فَاهْنَأْ فلستَ على الزَّمانِ بفانِ

أَعليُّ ما بكَ غيرُ رَوْحةِ نازعٍ

قَلِقِ المطالبِ ثائرِ الأشجانِ

ضاقت به الدّارُ الشَّقيَّةُ فَانْتَحى

دارَ النَّعيمِ ومنزلَ الرِّضوانِ

عَزَّ الشّهيدُ وراح تاركُ حقِّهِ

في ذِلَّةٍ من عَيْشهِ وهَوانِ