تجدد من ذكراك للشرق مأتما

تُجدّدُ من ذكراك للشَرقِ مأتما

ونقضي بها حقّاً لمصر مُحتَّما

ذكرنا بك الأَيّامَ حُمراً من الوغى

تشقُّ عُبابَ النّارِ أو تلبسُ الدَّما

على جانِبَيْها من جهادِكَ هَبوةٌ

تُريكَ الصّباح الطلق أغبرَ أقتما

تدَفَّقتَ في مكروهها الغمر لُجَّةً

تُواجه تيّار الرَّدى حيثُ يمّما

إذا ما استباحَ الذُّعرُ مُهجةَ باسلٍ

دَلفتَ تردُّ الخيلَ عن جانبِ الحِمى

وما زِلتَ خفّاقَ اللّواءِ مُغامراً

تَقودُ من الأبطالِ جيشاً عرمرما

تُهيبُ بنا مُستبسلين أعزّةً

نرى الموتَ فيما يُورثُ المجدَ مغنما

علينا الحفاظُ المُرُّ نحمي بلادنا

وندفعُ عنها الغاصبَ المتهجِّما

نبيتُ قياماً نتَّقِي كلَّ طارقٍ

إذا القومُ باتوا في المضاجعِ نُوّما

شهيدَ الهوى هل تعرفُ اليومَ ذا هوىً

يُعاودُ منه الشّوقُ قلباً مُتيَّما

يرى مصر أوْلىَ من بنيه بنفسِه

ومن نفسهِ إن سِيمَ أمراً فصمَّما

تأمّلْ وُجوهَ القومِ كيف تنكَّرتْ

فلستَ ترى فيها من الخيرِ ميسَما

وَعَزِّ حُماةَ النّيلِ وَاسْتفتِ أهلَه

أحقَّاً أضاعوا الرأي واستشعروا العَمى

مقالةُ زُورٍ من أُناسٍ أذلَّة

يقومون في الجُلَّى المقامَ المُذَمَّما

أهاب بهم من جانبِ الغيلِ فتيةٌ

أبَوْا أن يكونَ الأمرُ سِرَّاً مُكتَّما

قضاءُ بني السّكسون صادف شؤمُه

قضاءً من الغُرِّ الميامينِ مُبرَما

هُمُ اتّخذوا حقَّ الكنانةِ معقلاً

فما يطمعُ الأعداءُ أن يتهدَّما

وهم أنكروا إلا الجلاءَ فلن ترى

لغاراتِهم من دون ذلك مُرتمى

مَغاويرُ لا تُرجى لديهم هَوادةٌ

وفي مصرَ عادٍ يستبيحُ المحرَّما

ذكرتُ عليَّاً يرفع الصّوتَ داعياً

إلى الحقِّ شعباً بات نَهْباً مُقَسَّما

ترامت به الأهواءُ شتَّى فلم تَدَعْ

له وُجهةً إن رامَ أن يتقدّما

يرى الموتَ في رأي المُنادينَ باسمه

يُخالطه كَرْهاً ويَغشاهُ مُرغَما

دعاه إلى الميثاق دَعْوةَ راغبٍ

إلى اللهِ يعتدُّ التقلُّبَ مأثما

مضى جارُه الأوفى وجاور ربَّه

معلِّمهُ الأعلى فكان المعلّما

يَسُنُّ لِمصرَ الحُبَّ من وصفهِ الرَّدى

ويشرع للقومِ الجهادَ المنظَّما

ويتلو عليهم في محاريبهِ العُلَى

كتاباً من الإِقدامِ والبأسِ مُحكَما

رأى فتنةَ الأحزابِ تَعتصرُ القُوى

فشَمَّر يسقيها الحِفاظَ المُسمَّما

يَودُّ رجالٌ غرَّهم باطلُ المُنَى

لو اتّبعوا الرأيَ الذي كان أحزما

أهابَ بهم لا تأمنوا القومَ إنّهم

يُسِرّون يوماً للكنانةِ أشأما

فلما رَأوْهُ بعد حينٍ تندَّموا

ولن ينفعَ المغبونَ أن يتندَّما

لكَ اللهُ من دانٍ على النأي شاهدٍ

على الغيبِ لا عيناً يفضُّ ولا فما

يُطالعنا من كلّ صوبٍ مُناجياً

وينتابُنا من كلّ أَوْبٍ مُسلِّما

كذلك يستبقي العزيزُ حياتَه

ويستهلكُ الدّهرُ الذَّليلَ المُلطَّما

مضى في الدُّروعِ السَّابغاتِ مُظفَّراً

وغُودِرَ في مثواه حُرّا مُكرَّما

فتى البِرِّ لم يُعقِبْ سوى الذكرِ ثروةً

ولم يكُ ممّن يجعلُ الشَّعبَ سُلَّما

ونحن وَرِثنا بأسَه وسلاحه

فيالكَ إرثاً من هُدى الله قيِّما

هَلُمّوا إلينا إنّ فيهِ بقيّةً

لِمنْ كان من إرثِ النبيين مُعدِما

جُنِنَّا بمصرٍ ما سَلَوْنا لحادثٍ

هواها ولا خُنّا الشّهيدَ المُعظَّما