خلق العروبة أن تجد وتدأبا

خُلُقُ العُروبةِ أن تَجدَّ وتَدأبا

وسَجِيَّةُ الإسلام أن يتغلّبا

لا تِلكَ تَخفِضُ مِن جَناحَيْها ولا

هذا يُريد سِوَى التفوُّقِ مطلبا

رَفَع النُّفوسَ عن الصَّغارِ وصَانَها

عن أن تَخافَ عَدُوَّهُ أو ترهبا

دينُ الفُتوَّةِ والمروءةِ ما طغتْ

لُجَجُ المنايا حَوْلَهُ فَتَهيَّبا

المؤمنونَ على الحَوادثِ أُخوةٌ

لا يعرفون سِوَى الكتابِ لهم أبا

سَلْهُمْ عَلى شرَفِ الأُبُوَّةِ هَلْ رَعَوْا

مَا سنَّ مِن أدب الحياةِ وأوجبا

بَيْتٌ تفرّقَ في البلاد وأُسرةٌ

صَدَع الزّمانُ كِيانَها فتشعّبا

وَهَنَ البِناءُ فَعاثَ في فَجواتِه

عَادِي الفسادِ مُدَمِّراً ومُخَرِّبا

لَبَّيْكَ يا وَطنَ الجهادِ ومرحباً

لَبَّيْكَ مِن داعٍ أَهابَ وَثَوَّبا

لَبَّيْكَ إذ بلغ البلاءُ وإذ أَبى

جِدُّ الزمانِ وصَرفُه أن نلعبا

مَنْ ذا يرى دَمَهُ أعزَّ مكانةً

من أن يُخضِّبَ من فلسطينَ الرُّبَى

كَبَّرتُ حِينَ عفا الوفاءُ وما عفا

في أرضِها أَثَرُ البُراقِ ولا خبا

إنّي أرى المعراجَ عند جلالهِ

وأرى النبيَّ وصحَبهُ والموكِبا

وَطنٌ يُعذَّبُ في الجحيمِ وأُمَّةٌ

أَعْزِزْ علينا أن تُصابَ وتُنكَبا

بقلوبنا الحَرَّي وفي أحشائِنا

ما شبَّ من أشجانِها وتلهّبا

وبنا مِن الأَلمِ المبرِّحِ ما بها

وأرى الذي نَلْقَى أشدَّ وأصعبا

نَتَجرّعُ البلوَى ونَدَّرِعُ الأسَى

نَرْعَى لإِخوتنا الذِّمامَ الأقربا

إنّا لَنعلمُ أَنَّ آكِلَ لحمِهم

سيخوضُ منّا في الدِّماءِ ليَشْربا

جعلوا الكِفاحَ عن العروبةِ حرثَهم

وتعهدّوه فكان حرثاً طيّبا

يَسْقُون ما زَرَعُوا دماً في مُخصِبٍ

لولا الدّمُ الجارِي لأَصبحَ مُجدِبا

البيتُ يَطْرَبُ من أنينِ جَريحِهم

أَرأيتَ في الدّنيا أنيناً مُطرِبا

إنّ الذي زعم السّلامَ مُرادَهُ

جَعلَ الدّماءَ سَبيلَهُ والمركَبَا

إن كان قد غَمَر الزّمانَ وأهلَه

كَذِباً فَمِن عاداتِه أن يكذبا

رَكِبَ الرّياحَ إلى القويِّ يَروضُه

شَرِساً يُقلِّبُ نابه والمِخْلبا

طارت بِه وفؤادُه في رَوْعَةٍ

يتلمَّسُ المَهْوَى ويبغِي المهربا

أَرَأيتَ إذ سكب الدُّموعَ غزيرةً

يأبى الحياء لِمثلِها أن يُسْكَبا

مُتصنِّعٌ باسْمِ الضّعيفِ يُريقُها

وهو الذي ترك الضّعيفَ مُعذَّبا

ما كان أصدقَ نُسكَهُ لو أنَّهُ

رَحِمَ البريء ولم يُحابِ المذنبا

يهذي بِذكرِ العَدْلِ في صَلَواتِه

أَرَأَيْتَ عَدْلاً بالدّماءِ مُخَضَّبا

رُسُلَ العروبةِ هل سأَلتُم جُرْحَها

ما بَالُهُ اسْتَعْصَى وماذا أعقبا

جُرْحٌ تقادَمَ عَهْدُه وتفتَّحتْ

أفواهُهُ تدعو الأُساةَ الغُيَّبا

أنتم أُساةُ الجُرحِ فاتَّخِذُوا له

من طِبِّ شيخِ أُساتِكم ما جَرَّبا

وَصَفَ الدّواءَ لكم وخَلَّفَ عِلْمَهُ

فيكم فأين يُريدُ منكم من أَبَى

يا قومُ لستم بالضِّعافِ فغامِروا

وخُذوا مطالِبَكُم سِراعاً وُثَّبا

أفما كفاكم قُوّةً من دينكم

ما جَمَّعَ الإِيمانُ فيه وأَلَّبا

يا آلَ يعربَ من يُريني خالداً

يُزجِي الخميسَ ويستحثُّ المِقْنَبا

من شَاءَ منكم فَلْيكُنْه ولا يَقُلْ

ذهب القديمُ فإِنّه لن يذهبا

السرُّ باقٍ والزّمانُ مُجدّدٌ

والسّيفُ مافَقَدَ المضاءَ ولا نبا

رُدُّوا المَظالِمَ عن محارِمِ أُمّةٍ

رَدَّتْ ظُنونَ ذوي الجهالةِ خُيَّبا

لم يُعْطِ أوطانَ العُروبةِ حَقَّها

من كان يَطْمَعُ أن تُباعَ وتُوهَبا