قل ما أردت فما عليك جناح

قُلْ ما أردتَ فما عليك جُناحُ

أَسُدىً كذلك تذهبُ الأرواحُ

يا للضحايا الحاملاتِ جِراحَها

يُغدَى بها مَحمولةً ويُراحُ

فَتَك السّلاحُ بها حَوَاسِرَ ما لها

غيرُ النُّفوس الوالهاتِ سلاحُ

هتفتْ تُحيِّي مِصرَ في أتراحها

فَتُخرِّمَتْ وتوالت الأتراحُ

أودى رَصاصُ القاذفين بفتيةٍ

هُمْ بالنُّفوسِ لَدَى الفداءِ سماحُ

غَضِبوا لمِصرَ تُصابُ في آمالها

ولِحقِّها الغالي المَصُونِ يُباحُ

عَصفتْ بهم أيدي الرَّدى فكأنّما

عصفتْ بريحانِ الرّياضِ رِياحُ

يتساقطون مُهذَّبا فُمهذَّباً

غضَّ الشّبابِ جَبينُهُ وَضّاحُ

النُّور في دَمِه المُطهَّرِ مُشرِقٌ

والطِّيبُ مُنتشرُ الشَّذَى فوَّاحُ

يا للشبابِ جرَى على آمالهِ

قَدَرٌ من الموتِ الزُّؤام مُتاحُ

ذُخْرُ البلادِ أضاعه أبناؤُها

فمضى يُشِّيعهُ أسىً ونُواحُ

خطبٌ تَبيتُ له المدائنُ والقُرى

شتّى الجراحِ وما درَى الجرّاحُ

لا الليلُ ليلٌ مِن تَطَاوُلِ همِّها

للغائبين ولا الصَّباحُ صباحُ

تبكي على الفتيانِ في آنافِهم

شَمَمٌ وفيهم نَخوةٌ وطِماحُ

بِيضُ الصّحائفِ والمواقفِ ما بهم

خَوَرٌ ولاَ هُمْ بالنّفوسِ شِحاحُ

شهداءُ حربٍ ليس من أبطالها

مَنْ سِلْمُه حَربٌ لنا وكِفاحُ

يُوحي فتنطلق السِّهامُ وما رمى

أيدي الرُّماةِ سِهامُه والرّاحُ

مَلَكَ السّواعدَ والمناكبَ فهي في

يدِه سُيوفٌ للأذَى ورِماحُ

تلك الحلومُ النّازعاتُ إلى الهوى

ما للقضيَّةِ أو تثوبَ نجاحُ

يا قومُ جِدُّوا لا حياةَ لمن يرى

أنَّ الحياةَ مَجانةٌ ومِزاحُ

أنظلّ شتَّى والبلادُ أخيذةٌ

يُودَى بها من حولنا ويُطاحُ

أفما لكم إن قام شعبٌ ناهضٌ

إلا خلافٌ قائمٌ وصياحُ

فيم الخلافُ وقد تبيَّن أمرُكم

أَفتُنكرون الحقَّ وهو صُراحُ

مصرُ الحياةُ فما لمن لا يتّقي

فيها الأُبوَّةَ والبنينَ فلاحُ

داءُ الشعوب الفردُ ليس يُضيرُه

شعبٌ يُضامُ وأُمةٌ تُجتاحُ

ما عذرُ من يأبى الحياةَ لقومه

ويقول مُوتوا والنفوسُ صِحاحُ

الموتُ للمرضى الضّعافِ وهذه

مِصرُ الأبيّةُ قوّةٌ ومِراحُ

نهضت تَسُدُّ على المُغيرِ مجالَه

وتُريه سَدَّ الموتِ كيف يُزاحُ

لم يَثْنِها والظلمُ يَهدِرُ حولها

كالرّعدِ صَوْبٌ للردى سَحّاحُ

تمشي كما مَشَتِ العروسُ يَزينها

مِن ساطعِ الدَّم مِطرَفٌ ووشاحُ

أغلى اللآلئِ قيمةً ما ضمَّ من

تلك القذائفِ تاجُها اللمَّاحُ

نَشْوى ولا غيرَ النُّفوسِ مُراقةً

من حولها خمرٌ ولا أقداحُ

أَهِيَ المآتمُ في البلادِ مُقامةٌ

لِشبابِ مصرٍ أم هي الأفراحُ

ضَرَمُ الحميّةِ يُطفئ الضَرَمَ الذي

يَجدُ الحزينُ ويشتكي المُلتاحُ

أَتُهانُ مصرُ ونحن حول لوائها

الموتُ أكرمُ والقبورُ فِساحُ

مهلاً فلا الحجّاجُ في جَبَروته

يَهوِي بنا صبباً ولا السّفاحُ

إنّا انطلقنا صاعِدينَ لغايةٍ

للمجد مُنطلَقٌ بها وسَراحُ

ماذا يُرادُ بنا وأين حُلومُنا

فَسَدَ الزمانُ فما يُرام صلاحُ

أَيَظلُّ هُورُ على الكِنانةِ نَاعياً

فَيُقالُ غَنَّى البُلبلُ الصَّدّاحُ

أَنَروحُ صُمّاً والحوادثُ رُجَّفٌ

أَنظلُّ بُكماً والخُطوبُ فِصَاحُ

لَسْنَا مِن الضّأنِ الذّليلِ فَترتوي

مِنّا المُدَى ويُبِيدُنا الذّبَّاحُ

لا تَنعمُ الأَرواحُ في عَليائِها

إلا إذا شَقِيَتْ بها الأشباحُ

ما لِلسياسةِ لا المثالبُ عِندَها

سُودُ الوُجوهِ ولا الذُّنوبُ قِباحُ

عِرْضٌ يَشقُّ على الرُّماةِ وَراءَهُ

وَجهٌ يُبرِّحُ بالهُداةِ وَقاحُ

تَلِدُ المظالمَ ثُمَّ تَزعُمُ أنّها

لِلعدلِ بينَ العالَمينَ لَقاحُ

حُكمُ الشرّيعةِ من حَبائلِ مكرِها

والسُّورةُ الغَرّاءُ والإِصحاحُ

خَجلتْ مَسابِحُها وَتِلكَ مُسوحُها

كادت لِطولِ عَذابها تَنْصاحُ

زيدوا مَلائكةَ الحضارةِ إنّه

عَملٌ لَكم وَلِعصرِكم فَضّاحُ

أنتم مَصابيحُ الشُّعوبِ وهذه

دُنيا الظّلامِ أَنارها المِصباحُ

الشرّقُ أَبصرَ في الحياةِ سَبيلَهُ

ومَضَى فَنِعمَ العاملُ الكدَّاحُ

اللهُ أكبرُ من يُكذّبُ وعده

ويظنُّ أن الضيّقَِ لا ينداحُ

بابُ الحياةِ هدايةٌ من نُورهِ

وَلمَنْ يلوذُ بِبابهِ المِفتاحُ

ربِّ أهدنا واجمع قُوى زُعمائِنا

فلعلَّنا نُكفَى الأذى ونُراحُ

أَنظلُّ صرعَى والمصائبُ حولنا

سُودٌ رواكدُ ما لهنّ بَراحُ

حَسْبُ البلادِ سكوتُك المُتمادِي

أترى حراماً أن تقولَ بلادي

قُلْها مُحَبَّبَةَ الرَّنينِ شهيّةً

تمضِي فتبعث من رجاء الوادي

رقد الرّجاءُ كما رقدتَ وكنتما

إلفين ما خُلِقَا لغيرِ سُهادِ

مِصرُ التي كنتَ الحياةَ لشعبها

مَرْضَى الحياةِ قَليلةُ العُوّادِ

تدعوكَ والهةً وتنظرُ هل لها

من راحمٍ أو مُنقذٍ أو فادِ

أمست تَبوءُ بكلِّ خطبٍ مُنكَرٍ

وتنوءُ بالأغلالِ والأصفادِ

ما زالتِ الأهواءُ باستقلالها

حتّى استقلَّ بها المُغيرُ العادي

ويح الأُلى ضلّوا السبيل أمالهم

من ناصحٍ أو مُرشدٍ أو هادِ

هم خيّبوا أملَ البلادِ وعطّلوا

دينَ الجهادِ ولاتَ حينَ جهادِ

خدعوا السَّوادَ فراح يَنعقُ حولهم

فَرِحاً ويُمعِنُ في أذىً وفسادِ

عكفوا على أعراسهم وبلادُهم

في مأتمٍ من همّها وحِدادِ

تلك المعاهدةُ التي هتفوا بها

من ساجعٍ طَرِبِ الفُؤادِ وشادِ

أَوَ لم تكن للقومِ فتحاً آمنت

فيه السّيوفُ بقوّةِ الأَغمادِ

وطنٌ يُطيحُ به الكلامُ وأُمّةٌ

تهوِي مُمزَّقةً بغير جلادِ

كانوا العدوَّ فأصبحوا في ظلِّها

أَوْلىَ الشُّعوبِ بأُلفةٍ ووِدادِ

يحمون ما نحمِي ويرمون الأُلى

نرمِي من الأعداءِ والأضدادِ

لولا بَسالَتُهم وشِدَّةُ بأسِهِم

لم يبقَ منّا رائحٌ أو غادِ

زُورٌ يُردِّدُهُ الغَويُّ وباطلٌ

يشدو به من لا يعي ويُنادي

أرأيتَ أخسرَ صفقةً من جاهلٍ

يرجو الحياةَ على يد الجلّادِ

يا مَن وصفتَ لنا الحياةَ رشيدةً

ماذا ترى من حكمةٍ ورشادِ

الشّعبُ بعدكَ في يَبابٍ مُوحَشٍ

حَارَ الدليلُ به وضلَّ الحادي

سلكَ المحجّةَ حين كُنتَ دليلَهُ

ومضى لحاجتهِ بأطيبِ زادِ

الحقُّ معروفُ المعالم ساطعٌ

والنُّجْحُ وضّاحُ البشائرِ بادِ

نَسيَ الجلاءَ فما يمرُّ بخاطرٍ

منه ولا يهفو له بفؤادِ

ولقد يكون وفيه ساعةُ ذِكرهِ

روحُ الحزينِ ورِيُّ قلبِ الصّادي

وارحمتا لكَ ذُبْتَ من حَرِّ الجَوى

في حُبِّ مِصرَ ولم نَفُزْ بِمُرادِ

إنّا جُنودُك نبتِني لبلادِنا

مجداً من الأرواحِ والأجسادِ