لمن دم في مغاني الحي مطلول

لَمِن دمٌ في مغانِي الحيِّ مطلولُ

يَبكي عليه هوىً في السِّربِ مَخذولُ

أطمَعْنَ ذا الشَّوقِ حتّى لم يَدَعْ أملاً

ثُمَّ انصرَفنَ وما فيهنَّ تَأميلُ

يُحدِثنَ في الحبِّ ديناً كلُّه بِدعٌ

والحبُّ دِينُ الهُدَى ما فيه تبديلُ

يا سارِيَ البرقِ هل لي منك راحلةٌ

أم أنتَ عن دارِها بالشّام مَشغولُ

حَملتُ حُرَّ الهَوى والشَّوقِ في كَبدٍ

وَلْهَى يَلوذُ بها حَرَّانُ مَتبولُ

يا قلبُ وَيحكَ لا الأُردنُّ طَوعُ يَدِي

إن جِئتَ مُستسْقِياً يوماً ولا النّيلُ

مالي وللماءِ ما تجرِي جَداوِلُه

إلا جَرَى بالمنايا فيه عِزريلُ

أهتاجُ للموتِ يَغشاني ويُمسِكُني

أَنِّي على ظَمَئِي والوِردُ مقتولُ

يا طائرَ الشّامِ هَزَّتْهُ خَمائِلُهُ

رَأْدَ الضُّحَى واسْتَخفَّتْهُ الأظاليلُ

هَيَّجتَ في النّيل طيراً ما بأيكتهِ

لِينٌ ولا عُودُه ريّانُ مَطلولُ

يَسْتَشرِفُ الطّيرَ تَستهوِي عصابتَها

عَمياءُ آفاقُها غُبْرٌ مَجاهيلُ

أسرَى القطا حين تَستغشِي غياهبَها

واني المطارِ وأهدى الجنِّ ضِلّيلُ

ما يَنتحِي القَدَرُ الجاري بها أَمَداً

حتّى يكونَ له رَدٌّ وتحويلُ

ماذا يرى النّاسُ في شَعْبٍ تُهدِّمُه

أهواؤُه وتُعفِّيهِ الأباطيلُ

إلّا يكن طَللاً يُشجيكَ دَارِسُه

فإنّه مَنزلٌ بالسُّوءِ مأهولُ

كأنَّهُ حِينَ غَالتْهُ عَمايتُه

على الهوانِ وحُبِّ الضَّيمِ مَجبولُ

مَشَى به الجِدُّ ثم ارتدّ مُنقَلِباً

فَعلَ النزيفِ به من دائهُ غُولُ

ألقَى به الشُؤمُ في هَوجاءَ ليس بها

إلا اللّجاجُ وإلا القالُ والقيلُ

طاشتْ به تُرّهاتُ اللابسين له

ثَوبَ الرِّياءِ وغرّته التهاويلُ

صَاحَ النَّذيرُ فلم يَفزعْ لِصَيْحَتِه

إلا السّماواتُ لمّا اهْتَزَّ جبريلُ

مَن لي بقومٍ إذا ساروا لِطَيَّتِهم

ساروا سواءً فلا نكبٌ ولا ميلُ

من عَلَّمَ القومَ أنّ الجِدَّ تَصديَةٌ

لِلاعبين وأنّ المجدَ تضليلُ

ما انفكّتِ اللَّقوةُ الشَّقواءُ جائلةً

في الجوِّ حتّى ثَوَى في الوكرِ زغلولُ

تَفْدي الجِواءَ إليهِ وهو مُنْكَدِرٌ

دامِي الجناحِ على النّكباءِ محمولُ

تَرمِي به كلَّ خفَّاقِ المَدى قَذِفٍ

ما تنتهِي سَعَةٌ منه ولا طُولُ

حتّى إذا خَرَّ طارتْ حول مَوقعِه

هَلكَى النُّفُوسِ وضَجَّ العصرُ والجيلُ

أَما لِقومي وإن جَلَّتْ مُصيبتُهم

إلا التّغاريدُ تُزجَى والتّهاليلُ

روايةٌ في شُعوبِ الشَّرق رائعةٌ

لها على مَلعبِ الأجيالِ تمثيلُ

يا سعدُ عَلِّلْ نُفوسَ القومِ ثانيةً

إن كان ينفعُ بعدَ اليومِ تعليلُ

قُلْ للمحامين رُدُّوا من أَعِنَّتِكم

ضَاعَ الحِمَى وَاسْتُبِيح اللَّيْثُ والغيلُ

وَيْليِ على الفَارسِ المِغوارِ إذ حَسرتْ

عنه الدُّروعُ وخانته السَّرابيلُ

دَارتْ رَحَى الحربِ فينا دَوْرَةً عجباً

فارتدَّ مُسْتَبسِلٌ وانقضَّ إجفيلُ

إنّي نصحتُ لِقومي قبل مَصرعِهم

لو أنّ نُصحَ ذوي الألبابِ مقبولُ

مالي وللشّعر هل تَهدي رَوائِعُه

مَن ليس يَهْديه قُرآنٌ وإنجيلُ

ليسوا بقوميَ إن طَالتْ جهالتُهم

وظَلَّ يخدعُهم ظنٌّ وتَخييلُ

قَومِي الأُلىَ لا غطاءٌ فوق أَعْيُنِهِم

ولا حجابٌ على الألبابِ مسدولُ

يا وَيْحَ للشرقِ هل قامت به أُممٌ

تَستنفِدُ العدَّ أم قامتْ تماثيلُ

سالت عليهم ذِئابُ الغَرْبِ تأكلُهم

كذلكَ العاجزُ المغلوبُ مأكولُ

أقولُ للقومِ فَوضَى في مَذاهِبهم

سِيرُوا على سَنَنِ الأحياء أو زُولوا

لوذوا بركنٍ من الأخلاقِ مُمتنِعٍ

تَهوِي الفيالقُ عنهُ والأساطيلُ

لاهُمَّ أدرِكْ شُعوباً بَاتَ يُرمِضُها

عَيْشٌ لها في رُبوعِ الشّرقِ مملولُ

لاهُمَّ إن تكُنِ العُقبَى لِمُحتسِبٍ

فَهَبْ لنا الصّبرَ حتّى يُدرَكَ السُّولُ