من هيبة يغضي القريض ويطرق

مِنْ هَيْبَةٍ يُغضي القريضُ ويُطرِقُ

وَيميلُ فيكَ إلى السُّكوتِ المنطقُ

إئذنْ يَفِضْ هذا البيانُ فإنّه

ممّا يُفيضُ بَيانُكَ المُتَدَفِّقُ

ما في النّوابِغِ من لبيبٍ حاذقٍ

إلا وأنتَ ألبُّ منه وأحذقُ

إن يَلْبسِ الشعرُ الجمالَ مُنوَّراً

عَبِقاً فَأنتَ جَمالُهُ والرّونقُ

والقولُ مُستلَبُ المحاسنِ عاطلٌ

حتّى يقولَ العبقريُّ المُفلِقُ

رُضْتَ الأوابدَ لي أقودُ صِعابَها

ورضيتني إنّي إذن لَمُوَفَّقُ

هي مِدحتي انطلقتْ إليك مَشُوقةً

والسُّبلُ تَسطعُ والمنازلُ تَعبَقُ

أنت المجالُ الرَّحبُ تُعتصَرُ القُوَى

فيه وتُمتَحَنُ العِتاقُ السُّبَّقُ

حسّانُ مُنبَهِرٌ وكعبٌ عاجزٌ

والشّاعر الجعديُّ عانٍ مُوثَقُ

أطمعتَهم فتنازعوا فيك المدى

وأبَيْتَ فانقلبوا وكلٌّ مُخفِقُ

لي عُذرُهم ما أنتَ من عِدَةِ المُنَى

إلا وراءَ مخيلةٍ ما تَصدُقُ

أنتَ احتملتَ الأمرَ تَنصدِعُ القُوى

ممّا يَشُقُّ على النُّفوسِ وتَصعَقُ

وسننتَ للمُتعسِّفينَ سبيلَهم

مُتبلِّجاً سمحاً يُضِيءُ ويُشرِقُ

يمشي الهُدَى فيه على يَدِكَ التي

هِيَ للهُدَى عَضُدٌ أبرُّ ومِرفقُ

ذُعِرَتْ قُريشٌ هل يُبَدِّلُ دينَها

رَجلٌ ضَعيفٌ في العشيرةِ مُملِقُ

لا المالُ يَنصرُه ولا هُوَ إنْ دعا

خَفَقَ اللِّواءُ له وخَفَّ الفيلقُ

ينهَى عن الأصنامِ وَهْي بموضعٍ

تُمْحَى حَوالَيْهِ النُّفوسُ وتُمحَقُ

المالُ والعِرضُ المُمنَّع سُورُه

والمجدُ والشَّرف الصَّميمُ المُعرِقُ

مِنْ وَصْفِه الأُسْدُ الضَّوارِي تَدَّعي

والخيلُ تَصْهَلُ والقواضِبُ تَبْرُقُ

الحقُّ أقبلَ في لواءِ إمامهِ

والحقُّ أوْلىَ أن يسودَ وأَخْلَقُ

يرمِي به سُودَ الغياهبِ ساطعاً

تَنْجَابُ حول سَناهُ أو تَتشقَّقُ

حَارَ الظّلامُ فما يلوذُ بجانبٍ

إلا يُحِيطُ به الضّياءُ ويُحدِقُ

الوحيُ مُطَّرِدٌ وبأسُ مُحمَّدٍ

جارٍ إلى غاياتهِ لا يُلحَقُ

لا الضّعفُ يأخذُ مِنْ قُواه ولا الوَنَى

بِأولئكَ الهِمَمِ الدَّوائبِ يَعْلَقُ

بَغْيُ الأُلىَ خَذَلُوه مِن أنصارِه

والبَغيُ نَصرٌ للهُداةِ مُحقَّقُ

زَعَموا الأذَى مّما يَفُلُّ مَضاءَه

فمضى البلاءُ بهِ وجَدَّ المَصْدَقُ

يأوِي إلى النَّفَرِ الضّعافِ وإنّه

لأشدُّ منهم في النِّضالِ وأوثقُ

هُمْ في حِمَى الوَحْيِ المُنزَّلِ صخرةٌ

تُعيي الدُّهاةَ وجذوةٌ تتحرَّقُ

وَهَبوا لربِّهمُ النُّفوسَ كريمةً

لا تُفتدَى منه ولا هي تُعتَقُ

المؤمنون الثّابتون على الهُدَى

والأرضُ ترجُفُ والشّوامخُ تَخفِقُ

رُزِقُوا اليقينَ فلا ذليلٌ ضارعٌ

يَطوِي الجناحَ ولا جَبانٌ مُشفِقُ

جُندُ النبيِّ إذا تقدَّمَ أقبلوا

والموتُ يَفزَعُ والمصارعُ تَفْرُقُ

صدعوا بِناءَ الشركِ تحت لوائهِ

فَهَوى وطار لِواؤُه يتمزَّقُ

إنّ الذي جَعلَ الرّسالةَ رحمةً

لم يَرْحَمِ الدَّمَ في الغَواية يُهرَقُ

بعث الرَّسُولَ مُعَلِّماً ومُهذِّباً

يبنِي الحياةَ جَديدةً يتأنَّقُ

يَتَخيّرُ الأخلاقَ يَنظمُ حُسْنَها

في كلِّ رُكنٍ قائمٍ ويُنَسِّقُ

عَفَتِ الرُّسومُ وأخلَقتْ فأقامها

شمّاءَ لا تعفو ولا هيَ تَخْلُقُ

قُدسِيَّةَ الأرجاءِ ما بِرحابِها

عَنَتٌ ولا فيها مكانٌ ضَيِّقُ

تَسَعُ الممالِكَ والشُّعوبَ بأسرها

وتفيضُ خيراً ما بَقِينَ وما بَقُوا

عَرفتْ لحاجاتِ العُصورِ مَكانَها

فَلِكُلِّ عَصرٍ سُؤلُه والمَرْفِقُ

مَنَعتْ مَغالِقُها الشرُّورَ وما بها

للخيرِ والمعروفِ بابٌ مُغلَقُ

فيها لِدُنيا العالمين مَثابةٌ

لولا التَّباعدُ والهوى المُتفرِّقُ

المُصلِحُ الأعلى أتمَّ نِظامَها

فانْظُرْ أَينقُضُهُ الغبيُّ الأَخرقُ

أَوْفىَ على الدُّنيا وملءُ فِجاجِها

بَغيٌ يُزلزِلُها وظُلمٌ مُوبِقُ

والنّاسُ فوضَى في البلادِ يغرُّهم

دِينٌ من الخَبلِ المُضِلِّ مُلفَّقُ

النّفسُ مُغلقَةٌ على أوهامِها

والعقلُ مُضطَهدٌ يُضامُ ويُرهقُ

سَجَدوا لما صَنعوا فأين حُلومُهم

ولِمَنْ جِباةٌ بالمهانةِ تُلصَقُ

أهيَ التي رَفعوا وظنّوا أنّهم

قومٌ لهم فوق السِّماكِ مُحلَّقُ

مَن يَدَّعِي شرفَ الحياةِ لمعشرٍ

كَفَروا بمن يَهبُ الحياةَ ويَخلُقُ

إن تَنْبُ مكّةُ بالرسول فما نبا

عَزْمٌ تُهَدُّ به الصِّعابُ وتُسحَقُ

كذبَ الطُّغاةُ أَيُرجفون بقتلهِ

والوَحْيُ سُورٌ والملائكُ خَنْدقُ

وَرَدَ المدينةَ زاخراً فجرى بها

آذِيُّةُ وطما العُبابُ المُغْرِقُ

بَطلٌ تَوسّعَ في ميادينِ الوغَى

لمّا تضايقَ عن مَداهُ المأزِقُ

ساسَ الحوادثَ والنُّفوسَ فتارةً

يَقِصُ الرقابَ وتارةً يترفَّقُ

يدعو إلى الحُسنَى فإن جَمَع الهوَى

فالسّيفُ مَسنونُ الغِرارِ مُذَلَّقُ

يَرمِي العوانَ بكلِّ أغلبَ باسلٍ

يهفو إلى غَمَراتِها يَتشوَّقُ

لمسَ العُروشَ فما يزال يَهزُّها

ذُعرٌ يطوفُ بها وهَمٌّ مُقلِقُ

صَدعتْ قُوى الإسلامِ شامخَ عِزِّها

فإذا المُلوكُ أذلّةٌ تَتملَّقُ

وإذا الممالكُ ما يُهلِّلُ مَغرِبٌ

إلا استجاب له وكبَّر مَشرِقُ

هذا تُراثُ المسلمينَ فبعضُه

يُزجَى علانيةً وبعضٌ يُسرَقُ

عَجزَ الحماةُ فنائمٌ مُتقلِّبٌ

فوق الحشيّةِ أو مَغيظٌ مُحنَقُ

القومُ صُمٌّ في السّلاحِ وَقومُنا

مُستصرخٌ يَعوِي وآخرُ ينعقُ

إن كنتَ ذا حقٍّ فَخُذْهُ بِقوَّةٍ

الحقُّ يخذلُهُ الضَّعيفُ فَيزهَقُ

لغةُ السُّيوفِ تَحُلُّ كلَّ قضيّةٍ

فَدَعِ الكلامَ لجاهلٍ يتشدَّقُ

وكُنِ اللّبيبَ فليس من كَلِماتِها

شَرْعٌ يُداسُ ولا نِظامٌ يُخْرَقُ

الخيلُ والرَّهَجُ المُثارُ حُروفُها

والنّارُ والدّمُ والبلاءُ المُطبِقُ

فَتّشتُ ما بين السُّطورِ فلم أَجِدْ

أنّ الأُسودَ بِصَيْدِها تتصدَّقُ

أرأيتَ أبطالَ الكِفاحِ وما جَنَى

أملٌ بأجنحةِ الرّياحِ مُعلَّقُ

لا يَأْسَ من نَفحاتِ ربّكَ إنّني

لأرى السّنا خَلَلَ الدُّجَى يتألَّقُ