يا بريد النيل إن جئت الشآما

يا بريدَ النّيل إن جئتَ الشآما

فاقضِ للأهلين عن مصرَ الذِّماما

إنّ في تلك المغانِي لَهَوىً

صادِقَ العهدِ وأحباباً كِراما

عَقَدَ الحُبُّ المُصفَّى بيننا

عُروةً تأبى مَدى الدّهرِ انفصاما

ما ترى الأُردُنَّ بالنّيلِ احتفَى

وترى النّيلَ على الأُرْدُنِّ حاما

للشَّآمينَ منّا ولنا

منهمُ العهدُ الذي يَبقَى لِزاما

ضمّنا للدّهرِ ساقٍ حُوَّلٌ

يَخدعُ الشَّرْبَ ويلهو بالنَّدامى

فَشربْنا الصَّفوَ من راوُوقهِ

وتساقينا القَذَى جَاماً فجاما

نحن في القُطريْنِ إخوانُ الهَوى

نَردُ النَّهرَيْنِ شَهداً وسِماما

أَلْبَستْنا الضَّادُ في عَليائها

من سَنَى الأنسابِ ما يجلو الظَّلاما

فطلعنا في بني الدُّنيا هُدىً

وسطعنا في نواحيها سلاما

أممُ المشرقِ لولا ما بِنا

من حياةٍ أصبحت مَوْتَى رمِاما

والزّمانُ الضّخمُ لولا أنّنا

من بنيهِ هَانَ قدراً ومَقاما

نحن سُسْنا الأمرَ سِلماً ووغىً

وملكنا الدَّهرَ شيخاً وغُلاما

أُمّةٌ للخلدِ تستعصي على

عِزَّةِ الموتِ وتأبى أن تُضاما

طاولت فِرعونَ في سُلطانِه

وابتنت في تاجهِ المُلكَ الجُساما

ومضتْ تعلو فلمّا زُوحِمَتْ

طاولت هارونَ عِزّاً وهِشاما

راعتِ الأملاكَ في أجنادهم

وَانْتحَتْ تغزو الخواقينَ العِظاما

يا بني الآدابِ حَيُّوا عَلَماً

تسكتُ الأعلامُ إن قال احتشاما

إن ذكرتم دولةَ الضادِ فلا

تَنْسَوُا التّاجَ ولا الشّيخَ الإِماما

إنّ جَبْراً والدَّعاوَى جمّةٌ

لَفَتاها حين لا ترجو اعتصاما

عبقريُّ ذادَ عن أحسابِها

فتجلّتْ عبقرياتٍ وِساما

تَبهرُ الأرضَ وتعلو صُعُداً

فَتُضيءُ الشُّهبَ أو تَسقِي الغماما

دولةٌ تعتزُّ منه في حِمَى

مَلِكٍ يُلقي له الشَّعبُ الزِّعاما

غُودِرَتْ في الشّرق فوضى فانبرى

ينشرُ الدُّستورَ فيها والنّظاما

بعث القُوّادَ في أقطارهِ

يأخذون الموقعَ الأقصَى اقتحاما

رِيعَ جيشُ الجهلِ لمّا جَرَّدُوا

من سَنَى عرفانِه الجيشَ اللُّهاما

مُرهَفُ الأقلامِ يأتي في الوغَى

من جليل الفتحِ ما يُعيِي الحُساما

أدبٌ ينسابُ من معسولهِ

في رُبوع الشرقِ ما يَشفي السَّقاما

مثلُ عين الخِضرِ من يظفرْ بهِ

لا يَذُقْ داءً ولا يُطعَمْ حمِاما

إنّ للعلم لَسِرّاً جللاً

نستفيدُ الخُلدَ منه والدّواما

غاب عن عِلمِ الفراعين الأُلَى

زَلزلوا الأقطار بأساً واعتزاما

فَتِّش الأجداثَ عن تيجانهم

واسْألِ الأحجارَ والصّخرَ المُقاما

هل ترى عيناك إلا حُفَراً

تلفظُ القومَ جُلوداً وعِظاما

عاث رَيْبُ الدّهرِ فيما جمعوا

من كنوزٍ كُنَّ في التُّربِ رُكاما

حَلَّ للمُغْتالِ في رَأدِ الضُّحَى

من غَواليهنَّ ما كان حَراما

رُبَّ جيشٍ بات يقظانَ القَنَا

ساهِرَ الأسيافِ يخشَى أن تُراما

سُؤدُدٌ زُورٌ ومجدٌ باطلٌ

وحياةٌ تُورِثُ الداءَ العُقاما

إن وصفتَ المُلكَ يطويه البلَى

فَصِفِ الأحلامَ تستهوي النِّياما