يا ناقض العهد لا شكوى ولا أسف

يا ناقضَ العهدِ لا شَكْوَى ولا أَسَفُ

اللَّهُ مُنتقِمٌ والسّيفُ مَنتصِفُ

تهجو النبيَّ وتُغرِي المُشرِكينَ بِهِ

مَهْلاً لكَ الويلُ ماذا أنتَ مُقترِفُ

كم جيفةٍ خرجتْ من فيكَ مُنكَرَةٍ

لمّا تردَّتْ ببدرٍ تِلكمُ الجِيَفُ

إنّ الوليمةَ أخزى اللّهُ صانِعَها

كانت ضِراراً فلا وُدٌّ ولا لَطَفُ

أتحسَبونَ رسولَ اللَّهِ يَجهلُها

مَكيدةً فَضَحَتْ أسرارَها السُّجُفُ

بل أظهرَ اللهُ ما تُخفونَ فانكشفتْ

يا وَيلَكم أيُّ خافٍ ليس يَنكشِفُ

لقد هَممتُمْ بمن لا حَيَّ يَعدِلُه

إن نُوزِعَ المجدُ بين النّاسِ والشَّرفُ

يا ويلَ من ظنَّ أن اللَّهَ يَخذُلُه

وأنّهُ من يمينِ اللهِ يُخْتَطَفُ

يا كعب مالك تؤذيه وتنكره

وما الولوع بقول الزور والشغف

جلعت مالَكَ للأحبارِ مفسدةً

يُمتاحُ فيها الأذى حِيناً ويُغتَرفُ

رَمَوْكَ بالحقِّ لمّا رُحتَ تسألُهم

وأعلنوا من يقينِ الأمرِ ما عَرَفوا

فقلتَ عُودوا فما عندِي لكم صِلَةٌ

جَفَّ المَعِينُ فلا قَصْدٌ ولا سَرَفُ

حَسْبِي الحقوقُ فمالِي لا يجاوزُها

إلى الفُضولِ وما عن ذاكَ مُنصرَفُ

عادوا يقولونَ ما أشقاهُ من رَجُلٍ

لا يرتضِي القولَ إلا حينَ ينحرِفُ

ثم انثَنوْا ينطقونَ الزُّورَ فانقلبوا

بالمالِ يَصدِفُ عنه المعشرُ الأُنُفُ

بِئسَ العطاءُ وبِئسَ القومُ أمرُهُم

وأمرُ سيّدهم في الغَيِّ مُؤتلِفُ

هُمُ اليهودُ لَو اَنَّ المالَ لاح لهم

في عَيْنِ مُوسى كليمِ اللهِ ما صَدَفوا

هبَّ ابنُ مسلمةٍ للحقِّ يَنصرُه

وللرسولِ يُريه كيفَ يَزدهِفُ

فقال دُونكَ سعداً إن هممتَ بها

شَاوِرْهُ فيها فَنِعمَ الحاذقُ الثَّقِفُ

قَضى ثلاثةَ أيامٍ على سَغَبٍ

وللمجرِّبِ ذي التدبيرِ ما يَصِفُ

وجاءَ في صحبِهِ يستأذنونَ على

تَقْوَى من اللهِ ما مالوا ولا جَنَفُوا

قال الرسولُ لكمُ في القومِ مأربُكم

ماذا على الدُّرِّ ممّا يُوهِمُ الصَّدَفُ

هِيَ القلوبُ فإن طابتْ سَرائرُها

فما بأفواهِكم عَيْبٌ ولا نَطَفُ

مَضوْا فقالوا لكعبٍ أنتَ مَوئلُنا

أنت الحِمى المُرتجى في الأزْلِ والكَنَفُ

أما ترانا جِياعاً لا طعامَ لنا

حتّى لقد كادَ يَغْشَى أهلَنا التَّلَفُ

لم يُبقِ صاحِبُنا شيئاً نَعيشُ بهِ

فالزّادُ مُنتهِبٌ والمالُ مُجترفُ

إن أنتَ أسلفتَنا ما نَستعيدُ به

رُوحَ الحياةِ فَغَيْثٌ ودْقُهُ يَكفُ

قال الحلائلُ رَهْنٌ ولا طعامَ لكم

إلا بهنّ فقالوا مَطلبٌ قُذُفُ

تأبَى علينا سَجايانا ويمنعُنا

هذا الجمالُ الذي أُوتيتَ والتَّرَفُ

قال البنونَ فقالوا لا تَكُنْ عَسِراً

البؤسُ أهونُ ممّا رُمْتَ والشَّظَفُ

خُذِ السِّلاحَ وإن كَلَّفْتَنا شَططاً

إنّ الشدائدَ فيها تَسْهُلُ الكُلَفُ

لم يَدْرِ مأْرَبهم إذ يسخرونَ بهِ

وإذ يُريدونَها دَهماءَ تُلتحَفُ

قال ارتضيتُ فقالوا غُمَّةٌ ذَهبت

عنّا غياهِبُها وَانْجابَتْ السُّدُفُ

وأرجأوهُ إلى إبَّانِ مَوْرِدهِ

يَعُبُّ من سُمِّهِ المُردِي ويَرتشِفُ

جاءوه باللّيلِ مَسروراً بغرفته

وليس يُنجِي الفتى من حَتفِهِ الغُرَفُ

وَرَنَّ صَوتُ أخيهِ عندَ مضجعهِ

اُخرُجْ إلينا أما تَنْفَكُّ تَعْتَكِفُ

فَهَبَّ يركضُ وَارْتاعتْ حَلِيلَتُه

مَهْلاً فإنّ فُؤادي خائِفٌ يَجِفُ

أنت امرؤٌ ذُو حروبٍ لا يُلائِمُه

أن يستجيبَ ذَوِي الأضغانِ إن دَلفوا

إنّي لأسمعُ صَوْتاً لستُ آمنُهُ

كأنّه الدمُ يَجرِي أو هُوَ الجَدَفُ

قالَ اسْكُتِي ودَعينِي إنّه لأخي

يَخْشَى عليَّ فَيرعاني وينعطِفُ

وراحَ يلقاهُ والإسلامُ مُبتسِمٌ

والشِّركُ مُتَّسِمٌ بالحزنِ مُرتجِفُ

وافاهُ في صَحْبِهِ يُدنِي الخُطَى عَبِقاً

كأنّه ذاتُ دَلٍّ زَانها هَيَفُ

قالوا أتمشِي إلى شِعبِ العجوزِ ففي

هذا الخلاءِ جَنىً للنفسِ يُخْتَرَفُ

وَانْظُرْ إلى القمرِ الزَّاهِي وبَهجتِهِ

وَاعْجَبْ له بعد هذا كيفَ يَنكسِفُ

ساروا إلى الشِّعبِ والأقدارُ تَتبعُهم

على هُدى اللهِ ما زَاغَتْ ولا اعْتَسَفُوا

حتّى إذا قعدوا ظَلَّتْ بموقفِها

وأقبلَ الموتُ عن أيمانِها يَقِفُ

وتِلكَ كفُّ أخيهِ فَوْقَ مَفْرقِهِ

كأنّها من جَنيِّ الزّهرِ تَقْتَطِفُ

يَشُمُّها ويقولُ القولَ يَخَدَعُه

في الطِّيبِ وَهْوَ له من خلفهِ هَدَفُ

ظَلَّتْ سيوفُ رسولِ اللهِ تأْخذُهُ

تَشُقُّ ما ضربتْ منه وتَنْتَقِفُ

يا حُسْنها صَيحةً من فيهِ يُرسِلُها

كادتْ تَخِرُّ لها من دارِهِ السُّقُفُ

لم تستطع عِرسُهُ صَبْراً فَجاوبَها

صَوْتٌ يُجلجِلُ أودَى السَّيِّدُ اللَّقِفُ

بَني قَريظةَ هُبُّوا من مَضاجِعكم

بني النَّضيرِ انْفرُوا للثأرِ وَازْدَلِفُوا

عَدا الرجالُ على كعبٍ فوالهفا

أين الحماةُ وماذا يَصنعُ اللَّهَفُ

تَبكِي عليه وماذا بعدَ مصرعِهِ

إلا البكاءُ وإلا الأدمعُ الذُرُفُ

إنّ الذي كان يَثْنِي عِطْفَهُ صَلَفاً

أمسى صَريعاً فلا كِبْرٌ ولا صَلَفُ

عادوا بهامتِهِ تُلْقَى مُذمَّمةً

عِندَ الرسولِ ومنه الصَدُّ والنَّكَفُ

طار اليهودُ على آثارهم فأبَتْ

أن يُدرَكوا هِمَمٌ تَرْمِي بهم عُصُفُ

اللَّهُ أكبرُ والحمدُ الجزيلُ له

نَصرٌ جديدٌ وفضلٌ منهُ مؤتَنَفُ

رِيعَتْ يهودُ فجاءَتْ تَبتَغي حِلفاً

عُودِيَ يَهودُ فنعمَ العهدُ والحلفُ

هَيهاتَ مالكِ من عهدٍ ولو حَمَلَتْ

مِلءَ البسيطةِ من أيْمانِكِ الصُّحفُ

عَبّادُ قُلْ إنّ في الأشعارِ تذكرةً

وإنَّ أحسنَها ما أورثَ السَّلَفُ

غَنِّ الرِّفاقَ بِوَحيِ الحقِّ تُنشِدُهُ

مَضَى النعيبُ وأودَى الشاعِرُ الخَرِفُ