حكى جؤذرا بين الجوانح راتعا

حَكَى جُؤْذَراً بَيْنَ الجَوانِحِ رَاتِعاً

وغُصْنُ نَقاً فِي رَوْضَةِ الْقَلْبِ بَائِعاً

فَرَشْتُ لَهُ خَدِّي عَلَى الأَرْضِ واضِعاً

حَبيبٌ رَأَى ذُلِّي وَقَدْ جِئْتُ خَاضِعاً

فَأَعْرَضَ عَنِّي وَهُوَ ناءٍ عَنِ الصُّلْحِ

لَقَدْ عَذَّبَ التَّسْهِيدُ طَرْفَ مُحِبِّهِ

وَنَارُ غَرَامٍ لاَ تَزَالُ بِقَلْبِهِ

يَرى سَقَمِي وَهوَ الْعَلِيمُ بِطِبِّهِ

حَرِصْتُ عَلى أنِّي أَفُوزُ بِقُرْبِهِ

وَيَمْنَحُنِي وصلاً فَمَا جَادَ بِاَلْمنحِ

عَلِيلُ وَسَيْفُ الهَجْرِ قَدَّ فُؤَادَهُ

إذَا رَامَ وَصْلاً يَرُومُ مُرَادَهُ

وَلَمَّا جَفَاني وَاشْتَكَيْتُ بِعَادَهُ

حَلَفْتُ يَميناً لاَ سَلَوْتُ ودَادَهُ

حَقِيقاً وَمَالي فِي يَمِينِيَ مِنْ فَسْحِ

أَرى الدَّمْعَ مِنْ عَيْني عَلى الْخَدِّ قَدْ هَمى

وَحَبَّ غَرَامِي فِي الْحَشَا قَدْ تَصَرَّمَا

وَيُقْلِقُني لَيْلاً إذَا مَا تَرَنَّمَا

حَمَامٌ حَمى عَنْ مُقْلَتي النَّوْمَ عِنْدَمَا

دَعَا إلْفَهُ مَا بَيْنَ رَامَةَ وَالسَّفْحِ

وَلَمَّا حَدَ الحَادِي سُحَيْراً وَزَمْزَمَا

تَذَكَّرْتُ عَيْشاً بِالْحِمى قَدْ تَقَدَّمَا

أَقُولُ وَدَمْعُ الْعَيْنِ فِي الْخَدِّ قَدْ هَمى

حَمى اللهُ سُكَّان الْحِمى وَسَقى الْحِمى

بِوَابِلِ دَمْعِي فَهْوَ يُغْنِي عَنِ السَّيْحِ

عَدِمْتُ اصْطِبارِي حِينَ سَارَتْ نِيَاقُهُمْ

وَقَدْ ضَاقَ صَدْرِي حِينَ جَدَّ مَسَاقُهُمْ

بُدُورٌ وَفِي يَوْمِ الرَّحِيلِ مُحَاقُهُمْ

حَسِبْتُ دَوَامَ الْوَصْلِ لَوْلاَ فِرَاقُهُمْ

رَمى الجَفْنَ وَالأَحْشَا بِالسُّهْدِ وَالْقَرْحِ

أَمَا عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِمَا القَلْبُ جَنَّهُ

وَلَمْ يَرْحَمُوا مَنْ بَاتَ يَقْرَعُ سِنَّهُ

يَروُمُ اللِّقَا وَالبُعْدُ يُخْلِفُ ظَنَّهُ

حَذِرْتُ مِنَ الإِعْرَاضِ مَا قُلْتُ إنَّهُ

يَؤُلُ إلى حَدِّ وَقَدْ كَانَ فِي مَزْحِ

رَعَى اللهُ مَنْ لَمْ يَرْعَ لي حَقَّ صُحْبَةٍ

وَإنْ كَانَ وُدِّي صَادِقٌ بِمَحَبَّةٍ

أُنَادِيهمُ مِنْ فَرْطِ حُزْنِ وَكُرْبَةٍ

حَرَامٌ عَلَيَّ الْعَيْشُ بَعْدَ أَحِبَّةٍ

رَمَوا فِي فُؤَادِي نَارَ وَجْدٍ بِلاَ قَدْحِ

أَمُوتُ اشْتِيَاقاً ثُمَّ أحْيى بِذِكْرِهمْ

وَأكْتُمُ مَا أْلقَاه صَوْناً لِسِرِّهِمْ

رَمَوْني بِسَهْمِ الْغَدْرِ مِنْ فَوْقِ غَدرْهِمْ

حُسَامُ اصْطِبَاري فُلَّ مِنْ دِرْعِ هَجْرْهِم

وَشَاهِدُ سُقْمِ الحُبِّ يُغْنِي عَنِ الشَّرْحِ

عَذُولي دَعْنِي قَدْ عَدِمْتُ تَلَذُّذِي

فَمَا أَنْتَ لي يَوْماً مِنْ الْبَيْنِ مُنْقِذِي

إذَا هَبَّ مِنْ ذَاكَ الْحِمى عَرْفُهُ الشَّذِي

حَدَوْنَا مَطَايَانَا مُجِدِّينَ لِلَّذِي

جَعَلْنَاهُ رأْسَ المَالِ لِلْفَوْزِ وَالرِّبْحِ

بِهِ الْمَسْجِدُ الأَقْصى زَهَا وَبِقَاعُهُ

وَكَانَ إلَى السَّبْعِ الطِّبَاقِ ارْتِفَاعُهُ

لِزَامٌ عَلَيْنَا حُبُّهُ وَاتِّبَاعُهُ

حَلاَ مَدْحُهُ عِنْدِي وَلَذَّ سَمَاعُهُ

فَعَادَ لِسَاني لاَ يَمَلُّ مِنَ الْمَدحِ

جَوَادٌ بِكَفَّيْهِ الْمَكَارِمُ وَالنَّدى

وَلَوْلاَهُ لَمْ نَعْرِفْ إلَى الْحَقِّ مُرْشِدَا

تَرقَى مَقَاماً جَاوَزَ الحَدَّ والْمَدى

حَفِيظٌ دَعَانَا مِنْ ضَلاَلٍ إلَى هُدى

كَمَا يُهْتَدى مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ بالصُّبْحِ

نَجَوْتُ بِهِ لَمَّا سَلَكْتُ مَحَجَّةً

وَخُضْتُ بِحَاراَ فِي الْغَرَامِ وَلُجَّةً

مَدَحْتُ بِهَا الْمَبْعُوثَ لِلنَّاسِ حُجَّةً

حَكى وَجْهُهُ الشَّمْسَ المُنِيرَةَ بَهْجَةً

وَأَعْرَافُهُ كالْمِسْكِ فِي النَّشْرِ وَالْفَتْحِ

لَقَدْ فَازَ مَنْ قَدْ زَارَ تُرْبَةَ سَيِّدِ

وَقَدْ نَالَ مِنْ رَبِّ الْعُلى كُلَّ مَقْصِدِ

وَلَوْلاَهُ لَمْ نَسْمَعْ أَذَاناً بِمَسْجِدِ

حَمدتُ سَمَاعِي لاِمْتِدَاحِ مُحَمَّدِ

وَذَاكَ سَبِيلُ الحَقِّ وَالرُّشْدِ وَالنُّجْحِ

ضِرَامٌ لَنَا وَالشِّرْكُ مِنْ نُورِهِ خَبَا

فَمَا اسْتَعْذَبُوا عَيْشا هَنِيئاً وَمَشْرَبَا

لَهُ تُنْشَرُ الأَعْلاَمُ شَرْقاً وَمَغْرِبا

حَمى دِينَنَا بِالْمَشْرَفِيَّةِ وَالظُّبَا

وَقَدْ جَاءَ نَصْرُ اللهِ يُؤْذِن بِالْفَتْحِ

لأٌمَّتِهِ هَادٍ كَثِيرُ التَّوَدُّدِ

تَفِيضُ مِيَاهُ الجُودِ مِنْ كَفِّهِ النَّدِي

ظَهَرْنَا بِهِ عِزّاً عَلى كلِّ مُعْتَدِ

حَجَجْنَا وَزُرْنَا قَبْرَ أفْضَلِ سَيِّدِ

هَدَانَا إلَى طُرقِ الهِدَايَةِ بِالنُّصْحِ

بِهِ افْتَخَرَتْ أَنْصَارُهُ وَحُمَاتُهُ

تَبَاهَوْا بِهِ لَمَّا بَدَتْ مُعْجِزَاتُهُ

كَريِمُ السَّجَايَا مُنْجَزَاتٌ عِدَاتُهُ

حَلِيمٌ زَكَتْ أَخْلاَقُهُ وَصِفَاتُهُ

يَجُودُ عَلى ذِي الْجِهْلِ بِالْعَفْوِ والصَّفْحِ

عَطُوفٌ رَؤُفٌ حاز عِلْماً وَسُؤْدَدَا

لَهُ الشَّرَفُ الأَعْلى مُقِيمٌ عَلى الْهُدى

بِأَنْوَارِهِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ يُهْتَدَى

حَنِيني إلَيْهِ لاَ يَزَالُ مُؤَبَّدَا

أَبِيتُ بِهِ مِنْ فَرْطِ وَجْدِي كَمَا أُضْحِي

بِشِرْعَتِهِ تَهْدَا الْقُلُوبُ وَتَهْتَدِي

وَتَحْيى وَتَحْظى بِالنَّعِيمِ الْمُمَجَّدِ

نَبيٌّ حَوى فَخْراً بِأَطْيَبِ مَوْلدِ

حَثَثْنَا نِيَاقَ الشَّوْقِ نَحْوَ مُحَمَّدِ

وَقُلْنَا عَسى أنْ نُدْرِكَ النُّورَ بِاللَّمْحِ