صروف الليالي عيرت عيشي الهني

صُروُفُ اللَّيَالي عَيَّرَتْ عَيْشِيَ الْهَنِي

وَوَلى زَمَاني بِالصُّدُودِ وَقَدْ فَنِي

أَقُولُ لِمَنْ أَعْيَاهُ سُقْمِي وَمَلَّنِي

صَدِيقِي أَعِنِّي بالْبُكَاءِ فَإنَّنِي

كَلِفْتُ بِظَبْيٍ كَامِلِ الْوَصْفِ وَالشَّخْصِ

هَوِيتُ رَشِيقاً لاَ يُرى مِثْلُ ذَاتِهِ

كَأَنَّ شقِيقَ الْوَرْدِ فِي وَجَنَاتِهِ

حَلَفْتُ لِمَنْ قَدْ لاَمَنِي بِحَيَاتِهِ

صَدَقْتُكَ فِي قَوْلي وَبَعْضُ صِفَاتِهِ

إذَا رُمْتَ تُخْصِيَها مَدَى الدَّهْرِ لَمْ تُحْصِ

مَلُولٌ جَفَاني وَاسْتَمَرَّ عَلىَ النَّوى

فَنَارُ فُؤَادِي فِيهِ نَزَّاعَةُ الشَّوى

فَقُلْتُ وقلبي مِنْهُ فِي غَمْرَةِ الْجَوى

صَحَا كُلُّ مَنْ دَارَتْ بِهِ خَمْرَةُ الْهَوى

سِوَائِي فَسُكْرِي فِي ازْدِيَادِ بِلاَ نَقْصِ

تَعَزَّزَ مَنْ أحْبَبْتُهُ فَأَذَلَّني

وَلاَ مَنِعٌ فِي الصَّبْرِ عَنْهُ فَأَنْثَنِي

وَلَمَّا رَأيْتُ السُّقْمَ فِي الْحُبِ شَفَّنِي

صَدِيتُ إلىَ الْعَذْبِ الْفُرَاتِ وَإنَّنِي

لأَقْنَعُ مِنْ تِلْكَ الْمَوَارِدِ بِالْمَصِّ

بِعَقْرَبِ صُدْغَيْهِ حَمى الْوَرْدَ وَاللَّمى

فَهَيَّجَني مِنْ بَطْنِ وَادِ إلَى حِمى

أبِيتُ بِهِ صَبَّا وَأصْبِحُ مُغْرَمَا

صَفَاءَ وِدَادِي لاَ يَحُولُ وَكُلَّمَا

أرَدْتُ التَّدَاني بِالْقَطِيعَةِ لي يُقْصِي

نَسِيمٌ سَرْى كَالْمِسْكِ رِيحاً إذَا شَذَا

فَلَمْ يُبْقِ عِنْدَ الصَّبِّ سُقْماً وَلاَ أذى

وَلَمَّا بَدَا مِنْ عَرْفِهِ ذَالِكَ الشَّذَا

صَبَا لِلصَّبَا ذُلِّي فَقُلْتُ لَهَا إذَا

مَرَرْتٍ عَلَيْهِ بِالسَّلاَمِ لَهُ خُصِّي

فُؤَادِي عَنِ الْمَحْبُوبِ مَا رَامَ سَلْوَةً

يَزِيدُ غَرَاماً كُلَّمَا اشْتَاقَ عَلْوَةً

ألاَ صَبَا نَجْدٍ إذَا جُزْتِ غُدْوَةً

صِفِي كَلَفِي إنْ أنْتِ صَادَفَتِ خَلْوَةً

وَجُمْلَةَ مَا شَاهَدْتِ مِنْ قِصَصِي قًصِّي

أَمِينُ جَمَالٍ حَازَ قَلْبي بِأَسْرِهِ

يَمُوتُ وَلاَ يَنْفَكُّ مِنْ قَيْدِ أسْرِهِ

وَرَاضٍ لِمَا يَرْضى مُطِيعُ لأَمْرِهِ

صَبَرْتُ عَلىَ الْهِجْرَانِ صَوْناً لِسِرِّهِ

وَسَتْراً وَلَمْ يُغْنِ التَّسَتُّرُ بِالْحِرصِ

يَحِنُّ إلَى الْوَادِي إذَا فَاحَ طِيبُهُ

وَإنْ ذُكِرَتْ نَجْدٌ يَزِيدُ نَحِيبُهُ

مُحِبٌ جَفَاهُ نَوْمُهُ وَحَبِيبُهُ

صَدىً فِي حَشَاهُ لَيْسَ يُطْفى لَهِيبُهُ

تَرَاهُ ذَلِيلاً فِي الْمَنَازِلِ يَسْتَقْصِي

عَدِمْتُ فُؤَادِي فِي هَوَاهُمْ وَنَاظِرِي

وَأَجْرَيْتُ دَمْعاً كَالسَّحَابِ الْمَوَاطِرِ

وَلَمَا رَمَاني بِالصُّدُودِ مُهَاجِرِي

صَرَفْتُ فُؤَادِي عَنْ هَوَاهُ وَخَاطِرِي

لِمَدْحِ نَبيِّ بِالشَّفَاعَةِ مُخْتَصِّ

هُوَ الْمُصْطَفى وَالْمُجْتَبى وَالْمُكَرَّمُ

فَزُرْ قَبْرَهُ إنْ شِئْتَ تَخْطى وَتَنْعَمُ

وَمِنْ كُلِّ خَوْفٍ فِي الْقِيَامَةِ تَسْلَمُ

صَفِيٌّ وَفيٌّ فِي الْقُلْوبِ مُعَظَّمُ

تَحُجُّ لَهَ الرُّكْبَانُ شَوْقاً عَلىَ الْقَصِّ

نَبيٌّ لَهَ جُودٌ رَحِيبٌ فِنَاؤُهُ

وَبَدْرُ تَمَامٍ قَدْ تَسَامَى سَنَاؤُهُ

بِهِمَّتِهِ الْعَلْيَاءِ طَابَ ثَنَاؤُهُ

صَبَاحٌ مُنيرٌ قَدْ هَدَانَا ضِيَاؤُهُ

مِنَ الْجَهْلِ فَاسْتَلْ عَنْهُ بِالْبَحْثِ وَالْفَحْصِ

لَهُ عُصْبَةٌ عزَّتْ بِهِ فَاسْتَقَلَّتِ

لِنُصْرَتِهِ أَسْيَافُهُمْ حِينَ سُلَّتِ

لَهُ أَشْرَقَتْ أَنْوَارُهُمْ وَتَجَلَّتِ

صَنَائِعُهُ تُرْجى لأُمَّتِهِ الَّتي

بَدَا ظَنُّهُمْ بِالْحُبِّ كَالنَّقْشِ فِي الْفَصِّ

لاِمَّتِهِ إِحْسَانُهُ وَنَوَالُهُ

وَلِلشِّرْكِ مِنْهُ خِزْيُهُ وَوَبَالُهُ

مُفَرَّقَةٌ نَحْوَ الأَعَادِي نِبَالُهُ

صَدُوقٌ شَكُورٌ قَلْبُهُ وَمَقَالُهُ

وَلَيْسَ لأَصْحَابٍ كَذَا جَاءَ فِي النَّصِّ

هَنِيئاً لِمَنْ أضْحى عَلَى الْبَابِ وَاقِفَا

وَقَدْ نَظَرَتْ عَيْنَاهُ تِلْكَ الْمَرَاهِفَا

وَزَارَ نَبِيًّا لِلشَّدَائِدِ كَاشِفَا

صَفُوحٌ عَنِ الْجَاني إذَا جَاءَ خَائِفَا

حَلِيمٌ رَحِيمٌ غَافِرٌ غَيْرُ مُقْتَصِّ

لَقَدْ فَازَ مَنْ يَسْعى لَهُ وَيُقَبِّلُ

ثَرَاهُ لِيلْقى عِنْدَهُ مَا يُؤَمِّلُ

يَهُونُ بِهِ مَا يَحْمِلُ الْمُتَحَمِّلُ

صَبُورٌ لَهُ الْمَجْدُ الأَثِيلُ مُكَمِّلُ

مِنَ اللهِ مَحْرُوسٌ مِنَ الْعَيْبِ وَالنَّقْصِ

أرَى الدَّمْعَ مِنْ عَيْنَيَّ طُوفَانُهُ طَغى

فَقُلْتُ وَفي قَوْلي ثَوَابٌ لِمَنْ صَغَا

فَتًى يَمْدَحُ الْمُخْتَارَ فِي الْقَلْبِ مَا لَغَا

صَحَابَتُهُ فِي مَوْقِفِ الْحَرْبِ وَالْوَغى

كَأَنَّهُمُ الْبُنْيَانُ قَدْ شُدَّ بِالرَّصِّ

أَتَانَا بِأَوْصَافٍ حِسَانٍ جَمِيلَةٍ

وَرَبُّ الْعُلاَ قَدْ خَصَّهُ بِوَسِيلَةٍ

قَبِيلَتُهُ فِي النَّاسِ خَيْرُ قَبِيلَةٍ

صِفَاتُ الْمَعَالي لاَ تُرَامُ بِحِيلَةٍ

لِكُلِّ امْرِئ مِمَّنْ يُطِيعُ وَمَنْ يَعْصِي

لَهُ مَكْرُمَاتٌ لَيْسَ يُحْصِرُ عَدَّهَا

وَهَامَ الْعِدَا بِالْمَشْرَفِيَّةِ قَدَّهَا

وَلَمَّا تَشَاكَيْنَا مِنَ الدَّارِ يُعْدَهَا

صَبَغْنَا خُدُوداً بِالدُّمُوعِ وَبَعْدَهَ

شَقَفْنَا قُلُوباً الْجُيُوبَ مِنَ الْقُمْصِ

مُنَائِي بِأَنْ أَسْعى إلَيْهِ مُسَلِّمَا

فَيَمْنَعُني عَنْهُ الْقَضَاءُ مِنَ السَّمَا

حَنِينِي إلَيْهِ لاَ إلىَ الرَّبْعِ وَالْحِمى

صَلاَةٌ مِنَ الرَّحْمنِ تَغْشَاهُ كُلَّمَا

تَرَنَّحَ غُصْنٌ فِي الْحَدَائِقِ بِالرَّقْصِ