كلفت بكم والقلب يصلى بناركم

كَلفْتُ بِكُمْ وَالْقَلْبُ يُصَلى بِنَارِكُمْ

وَخُنْتُمْ وَلَمْ تَرْعَوْا ذِمَاماً لِجَارِكُمْ

ومَا كَانَ ظَنِّي أنَّ ذَا مِنْ شِعَارِكُمْ

كَفى حَزَناً كَمْ وَقْفَةٍ لي بِدَارِكُمْ

أُسَائِلُهَا عَنْكُمْ وَلي مُقْلَةٌ تَبْكِي

أَمَا عِنْدَكُمْ خُبْرٌ بِحَالي وَمَا جَرَى

عَلىَ مُسْتَّهَامٍ لاَ يُطِيقُ تَصَبُّرَا

وَلَمَّا رَأَيْتُ الرَّكْبَ قد جدَّ فِي السُّرى

كَتَبْتُ بِدَمْعِي فَوْقَ خَدَّيَّ أَسْطُرَا

بِشِدَّةِ أَشْوَاقي إلَيْكُمْ بِلاَ شَكً

رَحَلْتُمْ عَنِ الْمُضْنى فَأَبْدَى زَفِيرَهُ

وَغِبْتُمْ عَنِ الْمَغْنى وَكُنْتُمْ بُدُورَهُ

بَعَثْتُ لِمَنْ أَضْحى الْفُؤَادُ أَسِيرَهُ

كِتَاباً جَرى دَمْعِي فَغَبَّ سُطُورَهُ

فَمَنْ ذَا لَهُ سَمْعٌ إلَى قَوْلِيَ الْمُبْكِي

تَفَرَّقَ شَمْلي بَعْدَ مَا قَدْ تَأَلَّفَا

وَنَالَ مِنْ الْهِجْرَانِ وَالْبُعْدِ مَا كَفى

وَلَمْ تَرْحَمُوا صَبَّا مِنَ الشَّوْقِ مُدْنَفَا

كَئِيباً مُعَنَّى ظَلَّ يَبْكِي تَأَسُّفَا

عَلىَ صَفْوِ عَيْشٍ قَدْ تَكَدَّرَ بِالضَّنْكِ

دَعُوا عَذْلَكُمْ عَنْهُ وَخَلُّوا مَلاَمَهُ

وَعُودُوا سَقِيمِاً ظَلَّ يَشْكُو سِقَامَهُ

حَلِيفَ سُهَادٍ قَدْ تَجَافى مَنَامَهُ

كَثِبرَ اشْتِيَاقٍ بَاتَ يَشْكُو غَرَامهُ

أَسِيرٌ وَمِنْ قَيْدِ الْهَوى غَيْرُ مُنْفَكِّ

وَفَيْتُ بِعَهْدِي فِي هَوَاهُ فَلمْ يَفِ

فَمَا حِيلَتي فِي هَجْرِهِ وَهْوَ مُتْلِفِي

كَثِيرُ التَّجَنَّي لاَ يَرِقُّ لِمُدْنَفِ

كَلِفْتُ بِفَتَّانِ الشَّمَائِلِ أَهْيَفِ

تَبَدى كَبَدْرٍ لاَحَ مِنْ ظُلَمِ الْحَلْكِ

أَمِيرُ جَمَالٍ جَارَ فِي الْحُبِّ وَاعْتَدى

يَتِيهُ عَلىَ الْعُشَّاقِ زَهْواً وَقَدْ بَدَا

بِقَدِّ يُحَاكِي الْغُصْنَ فِي الرَّوْضِ أَمْلَدَا

كَسَاهُ الْحَيَا عِنْدَ الْعِتَابِ تَوَرُّدَا

كَذَا خَالِصُ الإيْرِيزِ يَظْهَرُ بِالْحَكِّ

شَكَوْتُ لَهُ مَا نَالَني مِنْ صُدُودِهِ

فَتَاهَ دَلاَلاً يَنْثَني فِي بُرُودِهِ

مَلُولٌ بَخِيلُ لاَ يَفِي بِوُعُودِهِ

كَتَمْتُ هَوَاهُ حَافِظاً لِعُهُودِهِ

وَصِدْقُ وِدَادِي لاَ يُغَيَّرُ بِالتَّرْكِ

تبَارَكَ رَبّاً قَدْ أَتَمَّ كَمَالَهُ

وَصَوَّرَ مِنْ مَاءِ مَهِينٍ جَمَالَهُ

تَجَنى دَلاَلاً لاَ عَدِمْتُ دَلاَلَهُ

كَذَا كُلُّ مَنْ يَهْوى حَبِيباً وِصَالَهُ

حَقِيقَةَ وُدِّ فَهْوَ سَاعٍ إلىَ الْهَلْكِ

تَمَادى عَلىَ هَجْرِي فَعَذَّبَ مُهْجَتي

حَبِيبٌ سَبى عَقْلي وَأَسْهَرَ مُقْلَتي

عَلَيْهِ فَنى صَبْرِي وَلَمْ تَرْ قَ عَبْرَتي

كَظَمْتُ بِهِ غَيْظِي وَأَخْفَيْتُ لَوُعَتي

وَأَظْهَرْتُ لِلْعُذَّالِ ضَحْكاً بِلاَ ضَحْكِ

يَرُومُ اقْتِضَاحِي فِي الْهَوى وَتَهَتُّكِي

وَطْولَ وُقُوفي فِي الْمَنَازِلِ أشْتَكِى

وَلَمَّا رَأَيْتُ الْغَيِّ أَخْطَرَ مَسْلَكِ

كَفَفْتُ يَدِي عَنْ حُبِّهِ لِتَمَسُّكِي

بِحُبِّ نَبيِّ قَوْلُهُ جَلَّ عَنْ إفْكِ

رَسُولٌ أَتَانَا صَادِقاً غَيْرَ مُفْترٍ

مَلاَذَا وَإنْقَاذاً لِعَاصٍ وَفَاجِرٍ

فَضَائِلُهُ تُرْوى عَلىَ كُلِّ مِنْبَرٍ

كَأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَا عِقْدُ جَوْهَرٍ

قَدِ انْتَظَمُوا وَهْوَ الْيَتِيمَهُ فِي السِّلْكِ

لَقَدْ خَصَّهُ رَبُّ الْعُلاَ بِسَلاَمِهِ

وَبَلَّغَهُ كُلَّ الْمُنى مِنْ مَرَامِهِ

وَقَدْ رُفِعَتْ عَنَّا بِجَدِّ حُسَامِهِ

كُذُوبٌ تَوَلى كَشْفَهَا بِاهْتِمَامِهِ

بِهِ قَدْ أَقَرَّتْ أَلْسُنُ الْخَلْقِ بِالْمِلْكِ

عَلَيْهِ اعْتِمَادِي وَهْوَ سُؤْلي وَمقْصِدِي

دَلِيلي وَعِزِّي وَهْوَ لِلحَقِّ مُرشِدِي

عَلَيْهِ سَلاَمِي كُلَّ يَوْمٍ مُجَدَّدِ

كَسَبْتُ ثَنَائِي بِامْتِدَاحِي لأَحْمَدِ

كَمَا كَسَبَ الْعَطَّارُ مِنْ أرَجِ المِسْكِ

بِهِ قَدْ بَلَغْنَا سُؤْلَنَا مِنْ ثَوَابِهِ

وَفُزْنَا بإدْرَاكِ الْعُلاَ مِنْ جَنَابِهِ

وَلَمَّا سَقَانَا مِنْ لّذِيذِ شَرَابِهِ

كَلاَنَا جَمِيعاً حِينَ لُذْنَا بِبَابهِ

وَأَنْقَذَنا بِاللَّفْظِ مِنْ شَرَكِ الشِّرْكِ

شَفَاعَتُهُ تُرْجى إذَ الأَرْضُ زُلْزِلَتْ

لِنَفْسٍ بِهِ يَوْمَ الْحِسَابِ تَوَسَّلَتْ

وَكَمْ حَلَّ عَنْهَا مِنْ أُمُورٍ قَدْ أَشْكَلَتْ

كَشَفْنَا بِهِ سُحْبَ الضَّلاَلَةِ فَانْجَلتْ

بَصَائِرُنَا مِنْ ظُلْمَةِ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ

إمَامٌ لَهُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ وَزَمْزَمُ

وَلَوْلاَهُ مَا صَلَّى وَلاَ صَامَ مُسْلِمُ

وَلاَ وَقَفَ الْحُجَّاجُ يَوْماً وَأحْرَمُوا

كَرِيمٌ أَمِينٌ هَشِمِيٌّ مُعَظَّمُ

بِهِ قَدْ نَجَا نُوحٌ وَسَارَ عَلىَ الْفُلْكِ

لَقَدْ زَانَهُ الْمَوْلَى وَكَمَّلَ وَصْلَهُ

وَأدْنَاهُ تَقْرِيباً وَوَفَّقَ فِعْلَهُ

وَأَحْكَامُهُ بِالقِسْطِ تُظْهِرُ عَدْلَهُ

كَأَحْمَدَ لَمْ يُخْلَقْ وَلَمْ نَرَ مِثْلَهُ

نَبيٌّ لَهُ وَصْفُ السَّكِينَةِ وَالنُّسْكِ

أجَلُّ عِبَادِ اللهِ قَدْراً وَمَوْثِقَا

وَأَفْصَحُ مَنْ قَدْ حَازَ عِلْماً وَمَنْطِقَا

كَرِيمُالسَّجَايَا لاَ يزَالُ مُوَفَّقَا

كَرَامَتُهُ عُلْويَّةٌ وَقَدِ ارْتَقى

لِمِعْرَاجِهِ حَتى رَأى مَالِكَ الْمُلْكِ

نَرُوحُ بِأشْوَاقٍ وَنَغْدُو بِمِثْلِهَا

وَكَمْ مُشْكِلاَتٍ قَدْ وَثِقْنَا بِحَلهَا

لَقَدْ وُضِعَتْ أَوْصَافُهُ فِي مَحَلِّهَا

كَتَائِبُهُ خَبْرُ الْكَتَائِبِ كُلِّهَا

فَخُذْ مَا رَوى عَنْهُ أَبُو طَالِبِ الْمَكي