نأيتم عن المضنى ولم تتعطفوا

نَأَيْتُمُ عَنِ الْمُضْنى وَلَمْ تَتَعَطَّفُوا

عَلى هَائِمٍ أَضْحى بِكُمْ وَهُوَ مُدْنَفُ

مَشُوقٌ يُنَادِي وَالْمَدَامِعُ تَذْرِفُ

نَهَارِي وَلَيْلي سَاهِرٌ مُتَأسِّفُ

وَمِنْ هَجْرِكُمْ قَدْ زِدْتُ حُزْناً عَلَى حُزْني

تَجَافَتْ جُفُوني نَوْمَهَا مُذْ هَجَرْتُمُ

وَعَذَّبْتُمُوني بِالصُّدُودِ وَجُرْتُمُ

وَلَوْ ذُقْتُمُ مَا ذُقْتُهُ لَعَذَرْتُمُ

تَقَضْتُمْ عُهُوداً فِي الْهَوى وَغَدَرْتُمْ

حدا بهم الحادي سُحَيْراً

وَدُمْتُمْ عَلَى هجري وخيبتم ظني وَحَمَّلُوا

مَطَايَاهُمُ وَالرَّكُبُ لَمْ يَتَمَهَّلُوا

وَقَدْ خَلَّفُوني وَالْفُؤَادُ مُعَلَّلُ

نَعِمْتُ بِهِمُ دَهْراً فًلَمَّا تَرَحَّلُوا

شَقِيتُ وَعُوِّضْتُ الْمَسَرَّةَ بِالْحُزْنِ

مُحِبٌّ لَهُ دَمْعٌ حَكى فَيْضُ جُودِهِ

سَحَابَاً وَنَاراً أظْهَرَتْ شَيْبَ فَوْدِهِ

مَشُوقٌ إلى ذَاكَ الْحِمى وَوُرُدِهِ

نَعِيمٌ فَلَوْ جَادَ الزَّمَانُ بِعَودِهِ

لَمَا كَانَ دَمْعُ الْعَيْنِ يَنْهَلُّ كَالْمُزْنِ

لَبِسْتُ بِهِمْ ثَوْباَ مِنَ السُّقْمِ مُعْلَمَا

وَحُبُّهُمُ مَا زَالَ عِنْدِي مُخَيِّمَا

أُنَادِي وَدَمْعُ فِي الْعَيْنِ فِي الْخَدِّ قَدْ هَمْى

نَسِيمَ الصِّبَا بِاللهِ إنْ جُزْتَ بِالْحِمى

فَبَلِّغْ سَلاَمَ النَّازِلِينَ بِهِ عَنَّي

وَلَمَّا اسْتَقَلُّوا ظَاعِنِينَ وَقَدْ غَدَتْ

مَطَايَاهُمُ نَحْوَ الْغُوَيْرِ وَأنْجَدَتْ

أقُولُ وَنِيرَانُ الأسى قَدْ تَوَقَّدَتْ

نَشَدْتُكَ يَا حَادِي الْمَطِيِّ إذَا بَدَتْ

مَعَالِمُهُمْ صَرَّحْ بِذِكْرِي وَلاَ تُكْنِي

لَقَدْ عَوَّدُوني غَيْرَ مَا كُنْتُ أَعْهَدُ

وَصَبْرِي تَفَاني وَالْغَرَامُ مُجَدَّدُ

وَمُذْ زَادَ بي حُزْني وَقَلَّ التَّجَلُّدُ

نَحَلْتُ وَمِنْ سُقْمِي مُقِيمٌ وَمُقْعِدُ

وَقَدْ طَالَ نَوْحِي فِي النَّوَاحِي فَلَمْ يُغْنِ

غَدَوا وَفُؤَادِي مَعْهُمُ حِينَ أنْجَدُوا

وَمُذْ رَحَلُوا عَنِّي رُقَادِي مُشَرَّدُ

وَأَقْطَعُ لَيْلي وَالْكَوَاكِبُ تَشْهَدُ

نُجُومٌ أُرَاعِيهَا وَطَرْفي مُسَهَّدُ

وَسُحْبُ دُمُوعِي تَسْتَهِلُّ مِنَ الْجَفْنِ

صُرُوفُ اللَّيالي بِالْمِشِيبِ تَحَكَّمَتْ

عَلَيَّ وَأيَّامُ الشَّبَابِ تَهَدَّمَتْ

وَقَدْ أنْقَلَتْ ظَهْرِي ذُنُوبٌ تَقَدَّمَتْ

نَدِمْتُ عَلىَ أيَّامِ عُمْرٍ تَصَرَّمَتْ

فَلاَ أَرَبٌ يُقْضى وَلاَ عَمَلٌ يُدْني

أُنَاسٌ تَنَاسَوْنَا وَمَلُّوا وِصَاَلنَا

وَقَدْ صَرَّمُوا بَعْدَ الْوِصَالِ حِبَالَنَا

أَرَى الشَّيْبَ وَافى وَالصِّبَا مَا وَفى لَنَا

نَرُوحُ وَنَغْدُو فِي الْمعَاصِي وَمَالَنَا

سِوى صَاحِبِ الْبَطْحَاءِ وَالْبَيْتِ وَالرُّكْنِ

رَسُولٍ مِنَ الرَّحْمنِ حَازَ الْمَحَامِدَا

وَنَحْنَ الدَّيَاجِي بَاتَ لِهِ سَجِدَا

وَكَمْ رَدَّ مَطْرُوداً عَنِ الْبَابِ شَارِدَا

نبيِّ سَمَا فَوْقَ السَّموَاتِ صَاعِدَا

إلَى الْعَرْشِ وَالأمْلاَكُ مِنْ حَوْلِهِ تُثْني

بِهِ يُنْقَذُ الْعَاصِي مِنَ الزَّيْغِ وَالزَّلَلْ

إذا جَاءَ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ عَلى وَجَلْ

نبيٌّ أَتَانَا بِالتَّفَاصِيلِ وَالْجُمَلْ

نَدى رَاحَتَيْهِ مُسْتَهِلٌّ وَلَمْ يَزَلْ

يَجُودُ بِلاَ مَنْعٍ وَيُعْطِي بِلاَ مَنِّ

لَهُ أُمَّةٌ خَوْفِهَا قَدْ تَوَسَّلَتْ

بِهِ وَإلىَ أعْلى مَقَامٍ تَوَصَّلَتْ

ذُنُوبُهُمُ وَالسَّيَّئاتُ تَبَدَّلَتْ

نَفى الشَِّرْكَ عَنَّا بِالْحَقِيقَةِ فَانْجَلَتْ

بِأَنْوَارِهِ الأبْصَارُ مِنْ ظُلَمِ الظَّنِّ

بِوَطْأَتِهِ قَدْ شُرِّفَتْ كُلُّ بُقْعَةٍ

وَفَازَ مِنَ الَمْولى بِعِزِّ وَرِفْعَةٍ

طِوَالَ اللَّيَالي مَا تَهَنَّا بِهَجْعَةٍ

نَهَانَا عَنِ الْمَحْذُورِ مِنْ كُلِّ بِدْعَةٍ

وَبَدَّلَنَا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالأمْنِ

شَفَاعَتُهُ فِي الْحَشْرِ تُظْهِرُ فَضْلَهَ

عَلى كُلِّ مَبْعُوثٍ إلَى النَّاسِ قَبْلَهُ

مَوَاعِدُهُ صِدْقٌ تُشَاكِلُ فِعْلَهُ

نَشَا كَامِلَ الأوْصَافِ لَمْ نَرَ مِثْلَهُ

فَسُبْحَانَ مَنْ أهْدى لَهُ حُلَلَ الْحُسْنِ

سَرَتْ عِيْسُنَا تَطْوِي الْفَلاَةَ بِعَزْمَةٍ

إلى نَحْوِ مَنْ فَازَتْ بِهِ خَيْرُ أُمَّةٍ

لَقَدْ خَصَّهُ الْمَولى بِعِزِّ وَرِفْعَةٍ

نَبَاهَتُهُ قَدْ أظْهَرَتْ كُلَّ حِكْمَةٍ

وَكَمْ ذَالَهَا فَنٌّ يَزِيدُ عَلىَ الْفَنِّ

تَسَامَى عَلىَ عُرْبِ الْوُجُودِ وَعُجْمِهِ

فَلاَ يَتَعَدى مُؤْمِنٌ حَدَّ رَسْمِهِ

وَلَمَّا أتَيْنَا طَائعِينَ لِحُكْمِهِ

نُصِرْنَا عَلىَ حِزْبِ الضَّلالِ بِعَزْمِهِ

وَصُلْنَا عَلَيْهِمْ بِالْمُشَرَّفَةِ اللُّدْنِ

لَهُ قَدْ بَذَلْنَا الْوُدَّ فِي السَّرِّ وَالْعَلَنْ

وَفُزْنَا بِهِ يَوْمَ الْمَعَادِ مِنَ الْفِتَنْ

رَسُولٌ أتَانَا بِالْفَرَائِضِ وَالسُّنَنْ

نُبُوَّتُهُ دَلَّتْ عَلىَ نَقْصِ عَقْلِ مَنْ

يَقُولُ بِرُوحِ الْقُدْسِ وَالأَبِ وَالإبْنِ

أمُوتُ اشْتِيَاقاً وَالْفُؤَادُ بَحَسْرَةٍ

وَقَدْ ضَاعَ عُمْرِي مَا ظَفِرْتُ بِسَفْرَةٍ

إلىَ يَثْرِبٍ وَالْقَلْبُ يُكْوى بِجَمْرَةٍ

نَوَيْتُ بِعَزْمِي أنْ يُشَادَ بِزَوْرَةٍ

بِنَائِي وَسُوءُ الْحَظِّ يَهْدِمُ مَا أبْنِي

جَمِيعُ الْبَرَايَا تَحْتَ جَاهِ مُحَمَّدِ

بِهِ يَرْتَجُونَ الْعَفْوَ مِنْ فَضْلِ سَيِّدِ

مَحَامِدُهُ مِنْ كَثْرَةٍ لَمْ تُعَدَّدِ

نَشَرْنَا لِواءِ بالثَّنَاءِ لأحْمَدِ

يَكِلُّ لِسَانُ الشُّكْرِ عَنْ بَعْضِ مَا أثْنِي