وراء أسوار دمشق

إنَّك حينَ تفتحُ ذراعيكَ لتستقبل الحياة

تكون قد رسمت خلفك علامة الصليب

لويس أرغون

وقال البارودي: بعد أن اضطرب زمناً، بين أرض المنفى وارض المعاد:

«وكما أن دمشق لا تكون، دوما، دمشق البعث ودمشق الثورة، فكذلك البانة، لا تبقى واحدة البان، فقد تصبح رمحا وقد تصبح عصا، غير أنها ربما أصبحت حية تسعى»

وحِينَ تَجلَّتْ

وحينَ تمازَجتِ الرِّيحُ والْخَمرُ فيها

وأَمستْ وِلادةَ حرفٍ

وفََرحةََ بدْءٍ

وفجرَ قصيدهْ

وأَمستْ دِمشقَ العقيدهْ

وحينَ تَجرَّدتَ فيها

فأمسيتَ بحراً

وغيماً

ونَوْءاً

وأمسيتَ كلاًّ

وجُزءَا

لماذا تَوارتْ عَنِ الْقلبِ

حتَّى تفجَّرَ سِرُّ النَّواةِ

وأُلْقيتَ في سَرندِيبَ الْقَصِيَّهْ

وقيلَ نسوكْ

فما أن فيهِمْ سؤالٌ

على وَترٍ من رَبابِ

ولا بيتُ شعرٍ على هامشٍ

من كتابِ

ولا نَقشوا اسْمكَ

حتَّى على شاطِئِ اللاَّذِقِيَّهْ

***

وتَبحثُ عن غُوطةِ الغَربِ

في كلِّ ملهىً وفي كل حانَهْ

وفي كلِّ دربٍ تجوعُ البَنادِقُ فيهِ

وتَعْرَى

وفي كلِّ كأسٍ قرارَتُها

تاجُ كِسْرى

فيهدأُ من بردَى المَوْجُ والرِّيحُ تَهدأُ

حتى الطُّلولُ

ويعلو مع الصَّمتِ صوتٌ يقولُ:

دمشقُ على سفحِ قاسيون بَانَهْ

وشاهدُ قبرٍ جَفتهُ الْمَنونُ

دمشقُ تَخون ُ»

ويبحر بابُ دمشقَ

ومَلهَى الوَليدِ

وقصرُ هِشامْ

وتُبحرُ حتى قبورُ الشآمْ

وأنتَ على اللَّيلِ مُلقَى

يَغيمُ بأمطارِكَ السَّيفُ والحَرفُ

حتَّى تَعودَ الجروحُ دواةً

وتَغْدو الدَّواةُ

زجاجةَ خمرِ

ويخرجُ من كلِّ شيء

سواهُ

فسِيانِ أن يُثمرَ الحقلُ باناً

وأن يُثمرَ الحقلُ خِنجرَ غدرِ

ومنْفاكَ منفىً سحيقٌ

ولَكنَّهُ ملكوتُ

وإِنَّكَ حَيٌّ

وأنتَ تموتُ

***

وقِيلَ علا النَّقعُ والطَّعنُ

حتَّى كبا بِعُرابِي الجَوادُ

وقيلَ تَفَشَّغَ في سَرنْديبَ الجرادُ

وجفَّ بها الزَّرعُ

والضَّرعُ

والخمرةُ البابلِيَّهْ

ولم يبقَ إلاَّكَ

لِلْخيلِ واللَّيلِ

والكِلْمةِ المُستَحيلهْ

ولم يبقَ إلاَّكَ

يبعث من قُبَّةِ الموتِ فيها

دمشقَ القَتيلهْ

وأنتَ على كلِّ ضَربةِ فأسٍ

صَليبٌ

وكفٌّ مثجَوَّفةٌ ومِدادُ

فمَن يكتبُ اليومَ

حتَّى على قَبضةٍ من دخانِ:

دمشقُ على متْنِ ظَبيةِ بانِ

تعودُ إلى شاطئ الأَطلَسِيِّ

تَمدُّ ظفائرها

تتجدَّدُ

تغدو وِلادةَ حرفٍ

وفرحةَ بدءٍ

وفَجْر حَقيقهْ

تَشُقُّ بأصبعها قُبَّةَ الْموتِ

تَرجعُ مَعشوقَةً

وَعَشيقهْ