ألم تعلمي يا فوز أني معذب

أَلَم تَعلَمي يا فَوزُ أَنّي مُعَذَّبُ

بِحُبِّكُمُ وَالحَينُ لِلمَرءِ يُجلَبُ

وَقَد كُنتُ أَبكيكُم بيَثرِبَ مَرَّةً

وَكانَت مُنى نَفسي مِنَ الأَرضِ يَثرِبُ

أُؤَمِّلُكُم حَتّى إِذا ما رَجَعتُمُ

أَتاني صُدودٌ مِنكُمُ وَتَجَنُّبُ

فَإِن ساءَكُم ما بي مِنَ الضُرِّ فَاِرحَموا

وَإِن سَرَّكُم هَذا العَذابُ فَعَذِّبوا

فَأَصبَحتُ مِمّا كانَ بَيني وَبَينَكُمُ

أُحَدِّثُ عَنكُم مَن لَقيتُ فَيَعجَبُ

وَقَد قالَ لي ناسٌ تَحمَّل دَلالَها

فَكُلُّ صَديقٍ سَوفَ يَرضى وَيَغضَبُ

وَإِنّي لَأَقلى بَذلَ غَيرِكِ فَاِعلَمي

وَبُخلُكِ في صَدري أَلَذُّ وَأَطيَبُ

وَإِنّي أَرى مِن أَهلِ بَيتِكِ نُسوَةً

شَبَبنَ لَنا في الصَدرِ ناراً تَلَهَّبُ

عَرَفنَ الهَوى مِنّا فَأَصبَحنَ حُسَّداً

يُخَبِّرنَ عَنّا مَن يَجيءُ وَيَذهَبُ

وَإِنّي اِبتَلاني اللَهُ مِنكُم بِخادِمةٍ

تُبَلِّغُكُم عَنّي الحَديثَ وَتَكذِبُ

وَلَو أَصبَحَت تَسعى لِتوصِلَ بَينَنا

سَعِدتُ وَأَدرَكتُ الَّذي كُنتُ أَطلُبُ

وَقَد ظَهَرَت أَشياءُ مِنكُم كَثيرَةٌ

وَما كُنتُ مِنكُم مِثلَها أَتَرَقَّبُ

عَرَفتُ بِما جَرَّبتُ أَشياءَ جَمَّةً

وَلا يَعرِفُ الأَشياءَ إِلا المُجَرِّبُ

وَلي يَومَ شَيَّعتُ الجِنازَةَ قِصَّةٌ

غَداةَ بَدا البَدرُ الَّذي كانَ يُحجَبُ

أَشَرتُ إِلَيها بِالبَنانِ فَأَعرَضَت

تَبَسَّمُ طَوراً ثُمَّ تَزوي فَتَقطِبُ

غَداةَ رَأَيتُ الهاشِميَّةَ غُدوَةً

تَهادى حَوالَيها مِنَ العينِ رَبرَبُ

فَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَحسَنَ مَنظَراً

وَنَحنُ وُقوفٌ وَهيَ تَنأى وَنَندُبُ

فَلَو عَلِمَت فَوزٌ بِما كانَ بَينَنا

لَقَد كانَ مِنها بَعضُ ما كُنتُ أَرهَبُ

أَلا جَعَل اللَهُ الفِدا كُلَّ حُرَّةٍ

لِفَوزِ المُنى إِنّي بِها لَمُعَذَّبُ

فَما دونَها في الناسِ لِلقَلبِ مَطلَبٌ

وَلا خَلفَها في الناسِ لِلقَلبِ مَذهَبُ

وَإِن تَكُ فَوزٌ باعَدَتنا وَأَعرَضَت

وَأَصبَحَ باقي حَبلِها يَتَقَضَّبُ

وَحالَت عَنِ العَهدِ الَّذي كانَ بَينَنا

وَصارَت إِلى غَيرِ الَّذي كُنتُ أَحسَبُ

وَهانَ عَلَيها ما أُلاقي فَرُبَّما

يَكونُ التَلاقي وَالقُلوبُ تَقَلَّبُ

وَلَكِنَني وَالخالِقِ البارئِ الَّذي

يُزارُ لَهُ البَيتُ العَتيقُ المُحَجَّبُ

لَأَستَمسِكَن بِالوُدِّ ما ذرَّ شارِقٌ

وَما ناحَ قُمريٌ وَما لاحَ كَوكَبُ

وَأَبكي عَلى فَوزٍ بِعَينٍ سَخينَةٍ

وَإِن زَهِدَت فينا نَقولُ سَتَرغَبُ

وَلَو أَنَّ لي مِن مَطلَعِ الشَمسِ بُكرةً

إِلى حَيثُ تَهوي بالعَشِيِّ فَتَغرُبُ

أُحيطُ بِهِ مُلكاً لِما كانَ عِدلَها

لَعَمرُكِ إِنّي بِالفَتاةِ لَمُعجَبُ