أأجفان بيض هن أم بيض أجفان

أأجفانُ بِيضٍ هُنّ أم بِيضُ أجفانِ

فَواتِكُ لا تُبقي على الدَّنِفِ العاني

صَوارمُ عشّاقٍ يُقتِلْنَ ذا الهوَى

ومن دونها أيضاً صوارمُ فُرسان

مرَرْنَ بنَعْمانٍ فما زلتُ واجِداً

إلى الحول نشْرَ المسْك من بطنِ نَعمان

سَوافرٌ في خُضْرِ المُلاء سَوائرٌ

كما ماسَ في الأوراقِ أعطافُ أغصان

وقد أطلعَتْ ورْدَ الخدودِ نواضراً

ومن دونِها شَوكُ القنا فمَنِ الجاني

ولا مثْلَ يومي بالعُذَيْبِ ونَظْرةٍ

نظرْتُ وقد سارتْ بواكِرُ أظْعان

سمَوْتُ لها في غِلْمِة عَربيَّةٍ

ذوي أوجُهٍ نمَّتْ بها اللُّثْمُ غُرّان

فكم غازَلتْنا من لواحظِ رَبْرَب

ومالَتْ إلينا من سَوالفِ غِزْلان

فقد أصبحَتْ تلك العُهودَ دوارساً

كما دَرَستْ في الدّهرِ أرجاءُ أرْجان

ولم يَبْقَ من لَيْلَى الغداةَ لناظري

سِوى طَلَلٍ إن زُرْتُه هاجَ أشجاني

فسَقْياً لوادي الدَّوْمِ مَعْهدَ جيرةٍ

وإنْ ظَلَّ قَفْراً غيرَ مَوقفِ رُكْبان

وقفتُ بها صُبْحاً أُناشدُ مَعْشري

وأُنشدُ أشعاري وأَنشُدُ غِزْلاني

ولمّا تَوسَّمْتُ المنازلَ شاقَني

تَذكُّرُ أَيامٍ عَهدْتُ وإخْوان

مضَتْ ومضَوْا عنّي فقلتُ تأَسُّفاً

قِفا نَبْكِ من ذكْرَى أُناسٍ وأزْمان

تأوَّبني ذِكْرُ الأحبّةِ طارقاً

وللَّيْلِ في الآفاقِ وَقْفةُ حَيْران

وأرَّقني والمَشْرَفيُّ مُضاجِعي

سَنا بارقٍ أسْرَى فَهيَّجَ أَحزاني

ثلاثةُ أجفانٍ ففي طَيِّ واحدٍ

غِرارٌ وخالٍ من غِرارَيْهما اثْنان

يُخَيَّلُ لي أنْ سُمِّرَ الشُّهْبُ في الدُّجَى

وشُدَّتْ بأهْدابي إليهِنَّ أجْفاني

نظرتُ إلى البَرْقِ الخَفيِّ كأنّه

حديثٌ مُضاعٌ بينَ سِرٍّ وإعْلان

وباتَ له منّي وقد طَنّبَ الدُّجَى

كَلوءُ اللَّيالي طَرْفُه غَيْرُ وَسْنان

له عارِضٌ فيه من الدَّمْعِ عارِض

وخَدٌّ به خَدٌّ وعَيْناهُ عَيْنان

أَلا أَبْلِغا عنّي على نَأْيِ دارها

سُلَيْمَى سَلامي وانْظُرا ما تُعِيدان

بآيةِ ما صادَتْ فؤادي إذا بدَتْ

وفي جيدِها عِقْدٌ وفي الثَّغْرِ عِقْدان

وقد ختَمتْ منّي على كُلِّ ناظرٍ

وما كنتُ للمُستَوْدِعينَ بخَوّان

بخاتِمِ ثَغْرٍ فَصُّه من عَقيقةٍ

يَمانيةٍ والنّقشُ بالدُّرِّ سَطْران

وقالتْ لدى تَقْبيلِ عَيْني مُحرَّمٌ

على النّاسِ أَنْ ترنو إلى يومَ تَلقَاني

فقلتُ أَقلِّي أُمَّ عَمْروٍ وأقْصِري

فحُبُّكِ يا ذاتَ الوِشاحَيْنِ أَفْناني

أخَتْماً على عَيْني ولا قلبَ في الحَشا

ولستُ على ما في يدَيْكِ بخَزّان

فقالتْ كلاكَ اللهُ من مُتَرحِّلٍ

أَقامَ له عندي الغرامُ وأَضْناني

لعلَّك تُبْلَى بالسِّفارِ فتَرْعَوي

وإن كنتَ تُغْرَى في الجِوارِ بهِجْراني

فكم ناظرٍ في شاسعٍ من مكانه

إلى البيتِ لم يَنْظُرْ إليه مِنَ الثّاني

كفى حزَناً ألاّ أَزالَ مُواصِلاً

أَعاديَّ ذِكْري والأحِبّةَ نِسْياني

أَتانيَ عن أَقصَى المدينةِ طارقاً

وَعيدٌ وأَصْحابي بشَرقيِّ بَغْدان

مَسحْتُ له العَينَيْنِ منّي تَشكُّكاً

وما كان طَرْفي بين مُغْفٍ ويَقْظان

فإن يك أعدائي عليَّ تَناصَروا

فما هو إلاّ من تَخاذُلِ خُلاّني

وممّا شَجاني يا ابْنةَ القوم أنّني

دَعوْتُ بإخْواني فأقْبلَ خُوّاني

ولم أدْعُ للجُلَّى أخاً فأجابَني

ولم أرضَ خِلاًّ للوِدادِ فأرْضاني

فيا ليتني لم أدْرِ ما الدّهرُ والورى

فقد ساءني للدّهرِ والنّاسِ عِرْفاني

أبِيتُ على ذكْرِ الجُناةِ مُعاقِراً

كؤوسَ دموعي والنَّدامةُ نَدْماني

وآوي إلى عَزْمٍ إذا جَدَّ جِدُّه

غِنيتُ بنَفْسي فيه عن عَوْنِ أعْواني

وأصفَحُ للإخوانِ عن كلَّ زَلّةٍ

وأصْحَرُ إن شئْتُ انْتقاماً لأقراني

ولا أتمنَّى موتَ خَصْمي وفَقْدَه

كما قد تَمنَّى ابْنا قَنانٍ وتُوران

ولكنّني واللهُ للحقِّ ناصِرٌ

أصُدُّ عنِ الشّاني وآخُذُ في شاني

وما زالتِ الأيّامُ تُبدي تَعجٌّباً

لأمْرَيَّ في الدُّنيا مكاني وإمكاني

كذَبْتُ وبيتِ اللهِ عِرضِيَ وافرٌ

ودِيني ونَقْصُ المالِ ليس بنُقْصان

ولي كلِمٌ مازِلنَ والمجدُ شاهدٌ

قلائدَ أَعناقٍ وأَقراطَ آذان

ودولةُ فَضْلٍ لو جعلْتُ نَزاهتي

وزيريَ فيها والقناعةَ سُلْطاني

إذنْ لَحماني ظِلُّ ذا فأعزَّني

نَعَمْ وأتاني رِفْدُ هذا فأَغْناني

ولم أَتَزوَّدْ من خَسيسِ مَطالبي

وأَبناءُ دَهري بينَ ذُلٍّ وحِرْمان

ولكنّني أَصبحْتُ بين مَعاشرٍ

بَلاني بهمْ صَرْفُ الزّمانِ فأبلاني

كأنّ مُقامَ الفاضلِيَن لديهمُ

سَنا الشَّمسِ ذُرَّت في نَواظرِ عُمْيان

لقد رابَني وَعْدٌ أَتَى المَطْلُ دُونَه

ففوَّتَ أَوطاري عليَّ وأَوْطاني

ولي حَجَّةٌ مرَّتْ وتَمَّ خِتامُها

بذي حَجّةٍ والدَّهْرُ بالنّاسِ يَوْمان

وكانتْ لياليها عليَّ طويلةً

تَمُرُّ على شاكٍ من الدَّهْرِ وَلْهان

فلمّا تقَضَّتْ خِلْتُ أَنَّ زمانَها

على طُولهِ المَشْكُوِّ قَبسةُ عَجْلان

ولا غَرْوَ إلاّ مَن يَظَلُّ على الَّذي

يُضيّعُ من أَيّامِه غيرَ لَهْفان

أَقولُ ونَحْرُ الغَرْبِ حالٍ عَشيّةً

كأنَّ على لَبّاته طَوْقَ عِقْيان

أَحَرْفُ مِراةٍ من خلالِ غِشائها

بَدا أَم هلالٌ لاحَ للنّاظرِ الرّاني

أَمِ الفَلكُ الدَّوّارُ أَمسَى مُوسَّماً

بآخِرِ حَرْفٍ من حُروفِ اسْمِ عُثْمان

فتىً يَمْتطي الأفلاكَ والخَيْلَ دائماً

فوَسْمٌ بأنْوارٍ ووَسْمٌ بنِيران

مليكٌ إلى أَبوابهِ الدّهْرَ يَنْتهي

سُرَى كلِّ مِطْعَانِ على كُلِّ مِذْعان

ولولا نَدَى شَمْسِ المُلوكِ وجُودهُ

لَما زَعزعَتْ وَفْدٌ ذَوائبَ كِيران

بهِ الدَّولةُ الغَرّاءُ أَضْحَتْ مُنيرةً

فلا أَظْلمَتْ ما غرَّدتْ ذاتُ أَلْحان

فتىً فَرْقُ ما بَيْنَ الأنامِ وبَيْنَه

هو الفَرْقُ فيما بَيْنَ كُفْرٍ وإيمان

وأَبْلَجُ لم تُخْلَقْ لشَيْئَيْنِ كَفُّه

لإحْسانِ إمْساكٍ وإمْساكِ إحْسان

فلا اليَمنُ اعتَدَّتْ كمَدْحي لمَجْدِه

مَدائحَ حَسّانٍ لأمْلاكِ غَسّان

ولا نسبَتْ في الرَّوْعِ مثْلَ مَضائه

إلى سَيْفِ غِمْدٍ أَو إلى سَيْفِ غُمْدان

له ماضِياً صمصامةٍ ويَراعةٍ

أُعِدّا لمِطْعامِ الأصائلِ مِطْعان

ولم نَر لَيْثاً قبلَ رُؤْيتنا له

هِزَبْراً له في الكفِّ للقِرْنِ نابان

أقولُ لغِرٍّ قام في ظِلِّ غابةٍ

مُزاحِمَ وَرْدٍ بينَ شِبْلَيْه غَضْبان

أأعداءه لا تُخْرِجوه عنِ الرِّضا

ولا تُحْرِجوهُ فهْو والدّهرُ سِيَّان

يَدُلُّ برأْيٍ طامحِ الطَّرْفِ للعُلا

مُفيقٍ وجُودً باسطِ الكَفِّ نَشْوان

ويَنْجو بأهلِ الفَضْلِ فُلْكُ رجائهِ

إذا حادثاتُ الدَّهرِ جاءتْ بطُوفان

ويُعْجِبُه الضَّيفُ المُنيخُ كأنّه

زيارةُ إلفٍ وصْلُه بعدَ هِجْران

وأصدَقُ خَلْقِ اللهِ طعْناً بذابلٍ

إذا مُدَّ للخيلِ القنا بينَ آذان

له قُلُبٌ في الطَّعْنِ في كُلِّ لَبّةٍ

طِوالُ القنا فيهنّ أمثالُ أشْطان

أيا مَن إذا أضلَلْت عند معاشرٍ

رَجائيَ أضحَى عند كَفَّيْهِ وِجداني

إذا اسْتُعرِضَتْ أيّامُ عامٍ فإنّما

لَنا بكَ أعيادٌ وللنّاسِ عِيدان

ومُذْ خُلِقَتْ عينُ اللّيالي وفُتِّحَتْ

إلى الخَلْقِ لم تَعْلَقْ سِواك بإنْسان

توسَّطْتَ من آلِ النّظامِ سَراتَهمْ

كأنّك بيتُ الله حُفَّ بأركان

لك الخيرُ أنت العارِضُ الجودُ وَبْلُه

وبي غُلَلٌ فامْطُرْ بساحةِ ظَمْآن

ومثْلُك مَن لا يَشْتري حَمْدَ ناظمٍ

ولا ناثرٍ إلاّ بأوفَرِ أثْمان

فلا يَخْلُوَنْ ديوانُكمْ من مَعيشتي

وأنْتُمْ ملوكٌ مدْحُكمْ مِلْءُ ديواني

بَقِيتَ بقاءَ الدّهرِ في ظِلِّ دولةٍ

وعزٍّ جديدٍ ما تَوالَى الجَديدان