أحن إلى تلك الضحى والأصائل

أَحِنُّ إلى تلك الضُّحَى والأصائلِ

وما مَرَّ في أيّامِهنَّ القلائلِ

قَصُرنَ وكانتْ أوّلَ العُمْرِ لَذّةً

كما قَصُرَتْ ذَرعاً كُعوبُ العَوامل

لَيالٍ كجِلْبابِ الشَّبابِ لَبسْتُها

أُجَرِّرُ منها الذَّيْلَ تَجريرَ رافل

سَوالِفُ بيضٌ من زمان كأنّها

سَوالفُ بيضٍ من حسانٍ عَقائل

وقد مُلِئَتْ من كُلِّ حِلْىٍ لناظرٍ

فَيا حُسْنَها لو كُنَّ غيرَ زوائل

فللّهِ أيّامٌ قِصارٌ تتَابَعَت

فلمّا تقَضّتْ أعقَبتْ بأطاول

كأنّ اللّيالي حاسبَتْنا فأرسلَتْ

أواخرَ فاستَوفَتْ بقايا الأوائل

ألا فسقَى اللهُ الحِمَى وزمانَه

مُجاجةَ أخْلافِ الغَوادي الحَوافل

فكم صِدْتُ في تلكَ الدِّيارِ وصادَني

على عِزِّ قَوْمي من غَزالٍ مُغازل

ومِنْ أحوَرِ العَينَيْنِ في القُرْب سائفٍ

بألحاظِهِ سِحْراً وفي البُعْدِ نابل

يَصُدُّ دَلالاً ثُمَّ يأتْي خَيالُه

فأكرِمْ به من قاطعٍ مُتَواصِل

أأسماءُ قد حالَ النّوى دونَ وَصلِكُمْ

وما القلبُ عمّا قد عَهدْتُمْ بحائل

فإنْ أغشَ قوماً بعدكُمْ مُتعَلِّلاً

على أنّ حُبيّكمْ عنِ الخَلْقِ شاغلي

ففي ناظري منكْم مِثالٌ وإنّما

أرَى وَجْهَه في عَيْنِ كُلِّ مُقابل

أقولُ وأنفاسُ الرّياحِ عَوائدي

لِسُقْمٍ يُرَى في مُضْمَرِ القَلْبِ داخل

إذا اجْتمَعتْ نَفْسي وعَينُكِ والصَّبا

تَنازعتِ الشّكْوى ثَلاثُ علائل

مَريضانِ من حُزْنٍ وحُسْنٍ وثالثٌ

على النّأْيِ يَسْعَى بَيْنَنا بالرَّسائل

وهل يَستعينُ المَرْءُ يومَ حفيظةٍ

منَ الدَّهْرِ إلا بابْنِ جِنْسٍ مُشاكل

فإنْ أكُ ودَّعتُ الغَداةَ غِوَايتي

وأصبحَ سَيْفي وهْو في يَدِ صاقل

فكم ليلةٍ جادَتْ علَيَّ فأَبدعَتْ

بإدْناءِ بَدْرٍ من يَدِ المُتَناول

يُجاوِرُ منه الثّغْرَ خَطُّ عِذارِه

كما لاح حَولَ الشُّهْدِ تَدخينُ عاسل

وطافَ بِراحٍ للنّدامَى فلم يَزَلْ

تَهاداهُ راحٌ من خَضيبٍ وناصل

فلمّا تَخالَيْنا تَعاطَتْ شِفاهُنا

كُؤوساً أُجلَّتْ عن تَعاطي الأنامل

مُعارٌ منَ العَيشِ اقْتَضاني مُعيرُه

على عَجَلٍ والدَّهْرُ شَرُّ مُعامل

نَزلْتُ على حُكْمِ الزَّمانِ ورَيْبِه

وينزِلُ طَوعَ الحُكْمِ مَن لم يُنازل

وخَلّفْتُ في أرضي فؤاديَ ضِلّةً

فأصبَحْتُ منها راحلاً غيرَ راحِل

وقَوماً على نَأيِ الدّيارِ أعِزَّةً

أتَى دُونهَمْ بُعدُ المَدى المُتَطاول

إذا قُلتُ هذا مَوْعِدٌ من لقائِهمْ

تَمادَى به صَرْفُ الزَّمان المُماطل

ومن حُرَقي يا صاحِ أنّيَ ناهلٌ

ولا أرتَضي للوِرْدِ كُلَّ المَناهل

أُلاحِظُ أحوالَ الأنامِ بمُقْلةٍ

تَغُضُّ جُفونَ العارِفِ المُتَجاهل

ولمّا رأَيتُ العِزَّ عَزَّ مرَامُه

مِنَ البُعْدِ إلاّ بالمَطِيِّ الذَّوامل

زَجَرتُ إليه اليَعْمَلاتِ فَخوَّدَتْ

بصَحْبيَ أمثالَ النَّعامِ الجَوافل

وجاءتْ بنا أعلامَ جَيٍّ فلم أزَلْ

بها ذاكراً عَهْدَ الخليطِ المُزايل

أُقلِّبُ طَرْفي يَمنةً ثُمَّ يَسْرةً

على إثْرِ أحوالِ الزّمانِ الحوائل

وقالوا حِصارٌ قد أظَلَّ وعنْدَه

يُخافُ عنِ السُّبْل انْقِطاعُ السَّوابل

فقلتُ وأنْضاءُ الرِّكابِ مُناخَةٌ

وقد طَرقَتْ إحدَى الخُطوبِ الجلائل

خَليليَّ حُلاّ العُقْلَ للعيسِ وارْحَلا

فما أصفهانُ اليومَ مَثوىً لِعاقِل

وما الرَّأْيُ إلاّ قَصْدُنا الرَّيَّ دُونَها

فَعُوجا إليها من صُدورِ الرَّواحِل

نَزُرْ مِن مُعينِ الدّينِ مَولىً يُعينُنا

على الدَّهرِ إن راعَ الفَتى بالنَّوازل

ففي ظِلِّهِ أمْنُ المَروعِ وسَلْوَةُ ال

جَزوعِ وإفْضالٌ على كُلِّ فاضل

فتىً عَمّ أهْلَ الشّرقِ والغَرْبِ جُودُه

فما منْهُ خَلْقٌ غَيرُ نائِلِ نائل

بَقيّةُ أمجادِ الأنامِ وأنجُمِ ال

كِرامِ وأفْرادِ المُلوكِ الأماثل

سَرَيْنا إليه والبلادُ مُضِلّةٌ

نُطوِّفُ منها في الفيافي المَجاهل

فما زال يَهْدِينا إليهِ مَعَ النَّوى

إلى أنْ بلَغْناهُ سَناءُ القَوافل

ونحنُ على بُزْلٍ مُخدَّمةِ الشَّوى

يُطرِّبُها وَهْناً غِناءُ الجَلاجل

مُقلَّدةً منها الهوادي إذا سَرَتْ

قَدَحْنَ الحصَى واللّيلُ مُلقَى الكَلاكل

فأعناقُها قامَتْ مَقامَ حُداتِها

وأخفافُها نابَتْ مَنابَ المَشاعل

وقد عَجِبَتْ خُوصُ الرِّكابِ أنِ انْتَهتْ

إليكَ فقد ضَجّتْ لبُعْدِ المَراحل

فما كَرَعَتْ في غَيرِ مَاءٍ أَساحَهُ

نَداكَ لها في كُلِّ أغبَرَ ماحل

ولا رَتَعَتْ إلاّ معَ الأَمْنِ في الفَلا

بأكنافِ ما أَنشأْتَه مِن خَمائل

لقد ملأَتْ آثارُكَ الأرضَ كُلَّها

فما مِن حُلاها جِيدُ أرضٍ بعاطل

وزادك إخراجُ المَظالمِ مِن تُقىً

تَضاعُفَ جُودٍ بالعطايا الجَزائل

وما أُدِّيَتْ حَقَّ الأداء فَرائِضٌ

إذا لَمْ يُقارِنْها الفتَى بِنَوافل

كَرُمْتَ فَكَمْ أَغنَيْتَ من طالبٍ غِنىً

وَسائلَ رِفْدٍ لم يكُنْ ذا وَسائل

فآمَنْتَ حتّى عَزَّ وِجْدانُ خائفٍ

وأَعطَيْتَ حتّى عَزَّ وِجْدانُ سائل

مَواهِبُ مَغْشِيِّ الرِّواقَيْنِ ماجِدٍ

وإقْدامُ مَشْبوحِ الذِّراعَيْنِ باسل

منَ القومِ لا تُعزَى إليهمْ أَكُفُّهمْ

إذا لم تكُنْ مَبْسوطةً بالفَواضل

إذا قبَض الأيمانُ منهمْ أعِنّةً

غدا الفَضْلُ منهُمْ عندَها للشَّمائل

وما أحمدُ بنُ الفَضْلِ بالمُقْتِني سِوَى

مَحامِدَ من أيّامهِ وفَضائل

أخو عزَمات فاعِلٌ غَيْرُ قائِل

إذا ذُمَّ يوماً قائلٌ غيرُ فاعل

ندىً وردىً يُجْريهِما الدَّهرَ في الوَرى

له سُودُ أقلامٍ وَبيضُ مَناصل

أباً ماجِداً يأْوي الورَى منه عِزّةً

إلى صاحبٍ حامي الحقيقةِ عادل

حمَى الدِّينَ والدُّنيا لنا فَضْلُ جِدِّه

وليس أخو جِدٍّ كآخَرَ هازل

وأغضَى عنِ الجانينَ صَفْحاً لِحِلْمه

وما عاقلُ الأقوامِ كالمُتَعاقل

بَقيتَ لآفاقِ المكارمِ في الوَرى

سَماءَ عُلاً فيها نُجومُ شَمائل

وبُورِكْتَ من غَيْثٍ مدَى الدَّهْرِ ماطرٍ

تَجودُ بما تَحْوِي وبالعِرْضِ باخل

أرَى رائدَ الآمالِ فيكَ مُبَشِّراً

بأَمْرٍ إليه الدَّهْرُ كالمُتَطاول

وما هو إلاّ عَزْمةً منك تُنْتَضَى

لإعزازِ حَقٍّ أو لإذْلالِ باطل

ليَرْجِعَ عَدْلٌ يَشْمَلُ الخَلْقَ مِثْلَما

هُمُ اليومَ في جَوْرٍ وحاشاكَ شامل

إذا ما رعاكَ اللهُ فارْعَ عِبادَهُ

وحُطْهُمْ يَحُطْكَ اللهُ من كُلِّ هائل

كَبُرْتَ عنِ الشّيْءِ الّذي يَكْبُرُ الورَى

بهِ أبداً والنّاسُ شَتّى المَنازل

ويَطْلُبُك الشُّغْلُ الّذي يَطلُبونَه

فنَلْ منه فَخْراً ما سِواكَ بِنائل

وقد عَلِمَ الأقوامُ صِدْقَ مَقالتي

وما عالِمٌ في حَظِّه مِثْلَ جاهل

أحلَّك سُلطانُ السَّلاطينِ رُتبةً

يَضيقُ بها ذَرْعُ الحَسودِ المُساجل

وجاءتْك منه خِلْعةٌ خُلِعَتْ لها

قُلوبُ العدا من كُلِّ باغٍ مُناضل

كساك وبَيتُ اللهِ تَكسوه لم تَزَلْ

على النّاسِ من عِزٍّ مُلوكُ القَبائل

وما ذلك التَّشْريفُ والمَجدُ شامخٌ

سوى مَخْفَرٍ في جَنْبِه مُتَضائل

ولكنّه للمُلْكِ والدّارُ غُربةٌ

على صِدْقِ وُدٍّ منه إحدَى الدَّلائل

لِيَهْنِ الورَى أن قد وُقيتَ مِنَ الرَّدى

وأنْ قد رمَى الدَّهرُ العِدا في المَقاتل

وليس يَضيرُ الخَلْقَ واللهُ ناقِدٌ

إذا عاشَ عالٍ للوَرى فَقْدُ سافل

تَهاوَى نُجومُ القَذْفِ في كُلِّ لَيلةٍ

وتَلبَثُ أنوارُ البُدورِ الكَوامل

وما أنت في حالٍ منَ اللهِ خائباً

لأنّكَ لا تَرضَى بتَخْييبِ آمِل

مُعينُك مَن أنت المُعينُ لدينه

وكافيكَ في الدُّنْيا صُروفَ الغَوائل

ومَن كان عَوْناً للعبادِ وناصراً

فليس له رَبُّ العِبادِ بخاذل